حوار شامل مع الأمين العام لمجلس التخصصات الطبية

لعل التحدي الكبير الذي يواجهه الزائر للمجلس القومي السوداني للتخصصات الطبية، هو الوصول لمقر المجلس، ثم إيجاد مكان للوقوف، فالمجلس بمبانيه العتيقة يقع في شارع الحوادث، أكثر شوارع وسط الخرطوم زحاما.

وعند وصولنا لموعد حوارنا مع الدكتور أحمد فرح شادول، الأمين العام للمجلس، كان أول ما لاحظناه هو العدد الكبير من الطبيبات في باحة المكان الخارجية، وهن يطلقن “الزغرودات” ابتهاجا بنجاحهن في نتيجة امتحان الأمراض الجلدية التي كانت قد أعلنت للتو.

الزحام، ومقر المجلس، وعدد الطبيبات الكبير مقارنة بالأطباء، كانت ضمن محاور حوارنا مع الدكتور أحمد فرح شادول.

 

أجرى الحوار لموقع اوبن سودان:  وائل جمال الدين، وحسام الدين كرنديس

 

  • موقع اوبن سودان: ما هو المجلس القومي السوداني للتخصصات الطبية ؟

– د. أحمد فرح شادول، الأمين العام للمجلس القومي السوداني للتخصصات الطبية: المجلس القومي السوداني للتخصصات الطبية هو المجلس المسؤول عن تدريب وتأهيل ومنح الشهادات فوق الجامعية في مجال الطب والصحة في السودان، بتدريب الأطباء للتحول من أطباء عموميين إلى اختصاصين. وهو الجهة الوحيدة المخوّل لها رسميا القيام بذلك في السودان.

بدأ المجلس في العام 1995 وكان فيه 6 تخصصات طبية و150 طبيبا متدربا، وقام بتخريج أول دفعة عام 2000م. وبعد ذلك بدأت تزيد التخصصات وأعداد الأطباء، وحاليا لدينا 60 تخصصا طبيا يتدرب فيها أكثر من 9 آلاف طبيب. ومنذ ذلك الوقت خرّج المجلس 15724 طبيبا في التخصصات المختلفة.

ومن بين التخصصات الطبية التي يتم فيها التدريب حاليا هناك 14 تخصصا دقيقا (زمالة) (مثل اختصاصي جراحة عامة يتخصص في جراحة الجهاز الهضمي مثلا، أو اختصاصي باطنية يتخصص في الغدد).

حتى العام 2016 كان المجلس يدرب الأطباء فقط وبعد ذلك أضيفت له كل الكوادر الصحية مثل الأسنان والصيدلة والتمريض والقبالة والمختبرات والتغذية.

  •  كم مدة التدريب للتخصص؟

في العادة يكون التدريب للتخصص 4 سنوات في معظم التخصصات باستثناء بعض التخصصات مثل جراحة المسالك البولية (5 سنوات) وجراحة المخ والأعصاب (6 سنوات)، وغيرها.

  • بما أن المركز قومي، هل التدريب محصور في الخرطوم أم في كل الولايات؟

حتى وقت قريب كان التدريب محصورا في الخرطوم، ولكن الآن فتحنا 7مراكز تدريب في 7 ولايات هي الجزيرة والبحر الأحمر والقضارف وشمال كردفان وشمال دارفور والشمالية وجنوب دارفور.

والآن اكتملت الدراسة لإنشاء 3 مراكز هذا العام في ولايات النيل الأبيض ونهر النيل وكسلا. وستكون هناك دراسة لإضافة 3 ولايات أخرى بعد أن يزورها الفريق المتخصص.

  •  ما هي نسبة نواب الاختصاصين الذين يعملون في الولايات؟

40% من النواب يعملون في الولايات الآن من مجموع 9 آلاف نائب متدرب.

 هل التدريب في مجلس التخصصات هو المسار الوحيد المتاح للأطباء بعد التخرج لإكمال دراساتهم فوق الجامعية؟

يمكن أن يكمل الأطباء المتخرجون مسارهم الأكاديمي في الجامعات، لكن التدريب العملي المهني لابد من أن يتم من خلال المجلس ليكون الطبيب بعدها مؤهلا لممارسة المهنة كاختصاصي.

  •   كيف يتم تعيين رئيس المجلس وأمينه العام؟

يتم التعيين بواسطة رئيس الوزراء لأن المجلس تابع لمجلس الوزراء، ومدة تولي المنصب 4 سنوات يمكن تجديدها لمرة واحدة فقط.

  •  مؤخرا وجّهت انتقادات للمجلس بسبب زيادة رسوم التدريب. ما هي آلية تحديد الرسوم في المجلس، وما هي تفاصيل ميزانيته ومن أين يحصل عليها؟

 المجلس لديه ميزانية من وزارة المالية. حتى العام 2018 كان المجلس، بالإضافة لميزانيته  من المالية، يحتفظ بالرسوم التي يقوم بتحصيلها داخله، لكن اعتبارا من عام 2018 أصبحت هذه الرسوم تورّد لوزارة المالية، ويحصل المجلس على ميزانيته من الوزارة.

أدت أيلولة موارد المجلس لوزارة المالية إلى  تصعيب الأمر، رغم ذلك لا ننكر أن وزارة المالية دعمتنا، خصوصا في الامتحانات، وفي مرحلة ما، كدنا أن نوقف الامتحانات، لولا دعم الوزارة لنحافظ على الامتحانات بمستواها المتميز.

إن تكلفة تشغيل المجلس عالية جدا، تتمثل في التدريب والامتحانات وتشغيل المجلس. المجلس لديه سمعة عالمية كبيرة جدا، اكتسبها عبر السنين التراكمية ونوعية التدريب والمعايير العالمية، وطريقة التقييم والامتحانات. وللحفاظ على هذه المعايير وتطويرها نحتاج لميزانية كبيرة. الميزانية الحالية لا تكفي بالفعل. في أقل امتحان يكلفنا المتدرب الواحد حوالي 137 ألف جنيه. وفي بعض البرامج التدريبية تتجاوز التكلفة 250 ألف جنيه لامتحان المتدرب الواحد.

لدينا 2000 مدرب هم اختصاصيون لديهم خبرة لا تقل عن 7 سنوات يقومون بالتدريب وهم متطوعون بلا مقابل. لكن مع الظروف الاقتصادية الصعبة حاليا أصبح من العسير على كثير منهم التوفيق بين تطوعهم في التدريب للمجلس ومهامهم.

أحمد فرح شادول
د. أحمد فرح شادول خلال حواره مع موقع اوبن سودان

  

بالحديث عن الامتحانات، كيف هو نظام الامتحانات في المجلس؟

لدينا أنواع من الامتحانات، منها امتحان الدخول، حيث إن كل متدرب يجب عليه أن يجتازه ليبدأ التدريب، ثم امتحان التخرج (الجزء الثاني). وفي كل امتحانات التخرج نستقدم ممتحنا خارجيا من جهات أكاديمية عريقة، وهؤلاء الممتحنون يقيّمون المنهج وطريقة التدريب والمدربين أنفسهم، وطريقة الامتحان، ويطلعون على البحوث والامتحانات.

ومؤخرا أدخلنا نظام الامتحانات الإلكترونية بداية من أغسطس 2021، وأصبح بالإمكان الجلوس للامتحان من أي مكان داخل وخارج السودان. كل هذا أعطى المجلس سمعة ممتازة وأصبح الأطباء يحرصون على الحصول على شهاداتهم من المجلس.

  •   بعض الأطباء يشكون من أن نظام الامتحانات في المجلس به صعوبة؟

الامتحانات نضعها بمعايير عالمية، ويأتي أشخاص مختصون لتقييمها. في نظام الامتحانات يضع المختصون الأسئلة ثم تأتي لجنة من أشخاص غيرهم لتحديد درجات النجاح في كل سؤال من هذه الأسئلة. ثم يجمعون هذه الدرجات ويحددون الحد الأدنى للنجاح في كل امتحان ويتم تحديد ذلك قبل انعقاد الامتحان. لذلك لا توجد علاقة بين عدد الممتحنين ونسبة النجاح. وهذه هي المعايير التي نتبعها.

  •   هل تنقطع علاقة الأطباء بالمجلس بعد تخصصهم؟ وما هي مساهمات الأطباء داخل وخارج السودان مع المجلس؟

الأطباء دعمهم للمجلس كبير جدا. ليس ماديا لكنهم يساهمون في التدريب والمحاضرات وعدد كبير منهم يأتون في عطلاتهم للمشاركة في البحوث والأنشطة. هذا شجعنا لتأهيل قاعات المجلس للتدريب عن بعد عبر الإنترنت. لم نشرع حتى الآن في بحث مسألة الدعم المادي المباشر لأنه يحتاج لترتيبات مع وزارة المالية.

  •   ما هي مشاريعكم المستقبلية؟

لدينا مشروع لإنشاء مركز امتحانات إلكترونية خاص بالمركز به 600 جهاز كمبيوتر، حيث أننا الآن نعقد الامتحانات في قاعات مؤجرة من بعض الجامعات. ولدينا مشروع لتطوير مكتبتنا الإلكترونية ومدّها للمراكز الموجودة في الولايات. وهذان المشروعان يكلفان حوالي (2) مليون دولار. قام الأطباء السودانيون في قطر بتشجيعنا على البدء في هذه المشاريع للمساهمة فيها عبر منظمة قطر الخيرية.

لدينا مشروع آخر جديد هو مشروع مركز المهارات وهو مركز للتدريب والمحاكاة على الأجهزة قبل انتقال الطبيب المتدرب للتدريب على الانسان، وبدأنا تنفيذه بتكلفة تقارب (30) مليون دولار، ونتوقع أن تساهم جهات كثيرة في دعمه.

  •   ما هي علاقات المجلس الخارجية وبرامج التدريب الخارجي؟

للمجلس علاقات جيدة مع جهات مماثلة في دول عديدة. لدينا مثلا حاليا برنامج للتدريب في آيرلندا لحوالي 60 طبيبا سنويا لفترة سنتين في 6 تخصصات. والآن نبحث معهم تطوير الاتفاق وزيادة التخصصات.

لدينا الآن اتفاق مع كندا للتدريب في مجال جراحة الأطفال وجراحة التجميل، بالاضافة للتعاون في التطبيب عن بعد في مستشفى إبراهيم مالك بواسطة أجهزة متخصصة تم جلبها من كندا.

ومؤخراعقدنا اتفاقا مع المنظمة الإيطالية المشغلة لمستشفى جراحة القلب الإيطالي في السودان على تدريب 10 نواب أطباء سودانيين سنويا في مستشفى لجراحة الأطفال تابع لها في يوغندا.

  •   ما معايير اختيار الأطباء لهذه البرامج التدريبية؟

الجهات المدربة تحدد بعض الشروط، مثل مضي  فترة معينة  في التدريب مثلا، وتتم المفاضلة حسب الخبرة والسيرة الذاتية، وأحيانا امتحان اللغة الإنجليزية، والمعاينات.

  •   ما الفرق بين مجلس التخصصات الطبية والمجلس الطبي السوداني؟

المجلس الطبي مسؤول عن تنظيم مهنة الطب وتسجيل الأطباء واعتماد شهاداتهم، بينما المجلس القومي السوداني للتخصصات الطبية مسؤول عن التدريب. ومن يتخرجون من مجلس التخصصات الطبية يذهبون للتسجيل كاختصاصيين في المجلس الطبي. والمجلس الطبي يقوم بتقييم الشهادات المختلفة سواء كانت صادرة من مجلس التخصصات الطبية أو مجالس عالمية أو جامعات.

  •   وما طبيعة علاقتكم بوزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى؟

عمل المجلس متكامل مع وزارة الصحة، وكذلك وزارة المالية، والمركز القومي للتدريب. ولدينا علاقة مع جهات مثل الشرطة والقوات المسلحة، ووزارة الصحة نفسها التي ترسل لنا متدربين تقوم هذه الجهات بتحمل تكلفة تدريبهم. بالإضافة لبعض الأطباء الأجانب الذين يتدربون في المجلس.

  •   ما نسبة المتدربين على نفقتهم الخاصة في المجلس؟

حوالي 80% من المتدربين الآن هم على نفقتهم الخاصة، والبقية من وزارة الصحة والسلاح الطبي والشرطة والجامعات.

  •   ما هي أهم مشاريعكم التي قمتم بها خلال الفترة الماضية؟

مراجعة قانون المجلس، ومراجعة وتحديث مناهج التدريب، والتوسع ودعم المراكز داخليا، حيث إن انتشار النواب في الولايات يرفع من مستوى الخدمة الطبية المقدمة في تلك الولايات. كذلك قمنا بالتحول من الامتحانات الورقية إلى الامتحانات الإلكترونية، بالإضافة للتوسع في العلاقات الخارجية والتعريف بالمجلس.

  •   ما أهم التحديات والمشاكل التي تواجهكم الآن؟

المقر. عندما تم إنشاء المقر الحالي كان مصمما لاستيعاب 6 تخصصات. والآن هناك أكثر من 60 تخصصا وأكثر من 9 آلف متدرب. المقر الحالي لا يوجد به حتى ما يكفي من مواقف للسيارات، وموقعه في منطقة مزدحمة. طالبنا مجلس الوزراء بتخصيص مقر يسع نشاط المجلس، لكن لم يتم ذلك حتى الآن.

المشكلة الثانية التي تواجهنا هي الميزانية. نطالب بالاستقلالية المالية وأن تؤول موارد المجلس له، وزيادة الميزانية المرصودة من المالية لتطوير عمل المجلس.

التحدي الثالث هو تأهيل المستشفيات والمؤسسات الحكومية التي نقوم بتدريب النواب فيها. رغم أن هذه ليست من اختصاصنا مباشرة، لكن كوادرنا يتم تدريبهم في هذه المستشفيات.

التحدي الرابع هو أن الطبيبات يشكلن النسبة الأكبر بين المتدربين، والعمل في الولايات يتطلب توفير السكن والأمن والترحيل لاستيعاب هؤلاء الطبيبات هناك، و توفير المعينات عموما للمتدربين.

(نهاية الحوار)