والي الخرطوم.. درس في الولاء و المسؤولية
بقلم – حسام الدين كرنديس
لا أحبذ عادة تمجيد الأشخاص، لا سيما إذا كانوا في موقع مسؤولية، سواء أكانوا سياسيين أو عسكريين أو إداريين، فالفعل أصدق من القول، والتاريخ لا يرحم من يتزين بالقول ويخون الفعل. كما أنني لا أعرف الأستاذ أحمد عثمان حمزة معرفة شخصية، ولا تربطني به علاقة مباشرة، لكن ضميري المهني يدفعني هذه المرة إلى تسليط الضوء على نموذج إداري نادر، أثبت بالتجربة والواقع أنه مختلف، وأن هناك من لا يزال يؤمن بأن المنصب تكليف لا تشريف، وخدمة لا سلطة.
التكليف وميدان لا يعرف التراجع :
كلف الأستاذ أحمد عثمان حمزة بمنصب والي الخرطوم في ظروف استثنائية، وفي ولاية كانت ولا تزال قلب الصراع ومركز الثقل السكاني والإداري في البلاد. جاء تكليفه في وقت كان فيه معظم المسؤولين يسعون إلى الهروب من الواقع أو إدارة الأزمات من المكاتب المغلقة أو من خارج حدود الخرطوم، لكنه آثر أن يكون في الميدان، لا خلف الستار، حضوره الدائم في قلب الأحداث منذ اندلاع الحرب، دون مغادرة ولايته أو التملص من واجبه، يضعه في قائمة نادرة لمسؤولين قرروا الصمود حيث فر الآخرون.
عمل لا يعرف ضوء الكاميرات :
لم يكن الرجل من هواة الظهور الإعلامي أو الطواف وسط عدسات المطبلين، بل مضى يعمل في صمت، يمارس مهنية عالية بعيدا عن الشلليات والمصالح الضيقة ظل يتنقل بين أطراف الولاية، يتفقد محطات الكهرباء، شبكات المياه، المستشفيات، المراكز الصحية، المؤسسات التعليمية، قضايا الطلاب، اللجان الامتحانية، متابعا باهتمام تفاصيل لا يتطرق إليها كثير من التنفيذيين، وكأن أبناء الولاية كلهم أبناؤه.
الإعمار والاستقرار… أولويات في زمن الفوضى:
في وقت كانت فيه الدولة تتاكل والمؤسسات تنهار، كان الأستاذ أحمد عثمان يقاتل من أجل استقرار ولايته. لم يكن موظفا يؤدي مهام يومية، بل مبادرا ومجتهدا ومتفقدا، يحمل مشروعا للإعمار، ورؤية للاستثمار، وحرصا على استعادة الحد الأدنى من الحياة الطبيعية في ظل واقع متهالك.
لم يهدأ له بال، ولم يتوقف عن التفكير في الحلول، لاكتساب الزمن بدلا من خسارته، وإعطاء الأمل لمواطنيه رغم صعوبة الظرف . لقد كان، بحق، نموذجا حيا لما يجب أن يكون عليه الوالي: راع لا حاكم، خادم لا متسلط.
الرجل الذي يشبه زمن الصحابة:
تشعر وأنت تتابع جهده، أنه من طينة أولئك الذين كانوا يسيرون في الظلام ليتفقدوا حاجات الناس. ينام آخر الليل بعد أن يطمئن على الكهرباء والمياه والمستشفيات والتعليم. يسعى ليلا ونهارا لإسعاد مواطنيه رغم ندرة الموارد وهشاشة البنية التحتية.
إنه رجل من زمن مختلف، زمن كان فيه المسؤول يلتصق برعيته، لا يتحصن وراء المكاتب ولا يتعالى على الناس.
اخر الكلام
قال رسول الله ﷺ: ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) [متفق عليه]، وقال أيضًا: (إذا عمل أحدكم عملًا فليتقنه) [رواه البيهقي]. وهكذا يكون العمل عبادة، والوظيفة أمانة، والمسؤولية تكليف أمام الله قبل أن تكون تكليفًا من البشر.
رسالتي إلى كل من تقلد منصبا عاما، وإلى كل مسؤول في أي موقع : اقتدوا بمن أتقن عمله بصمت، اجعلوا رضا الله هو الغاية لا رضا المطبلين. أما الأستاذ أحمد عثمان حمزة، فإن أقل ما يقال في حقه : شكرا لك، لأنك منحتنا أملا في أن هناك من لا يزال يعمل بإخلاص، ومن لا يزال يرى في الوطن قضية لا سلعة.
ونأمل أن يكرم هذا الرجل بما يليق بجهده، لا وساما على صدره فقط، بل عرفانا في ضمير أمة أنهكها التخاذل، وأحياها إخلاص رجل.