الخروف.. بين طقوس الأضحية وطقوس الغرام
بقلم – حسام الدين كرنديس
مع دخول عيد الأضحى، تسمع اصوات الخراف في الأحياء السكنية ، ويمتلئ الحوش بأصوات ( بااااع ) وخبطات الأقدام، والناس في طقوس الأضحية كما جرت العادة.
لكن وسط كل هذا الاستعداد، هناك ( خراف ) أخرى تمشي بيننا، لا تربط في الحظائر و بالاوتاد… بل تقاد من ( البنات) بإشارة، ومن غير حبل و تساق من أذنيها.
في عرفنا السوداني، الخروف هو ذكر الضأن، مطيع وساذج، يمشي حيث يسحب ولا يرفض طلبا، لكن المجتمع نفسه نقل هذه الصفات لـ( فئة بشرية ) من الشباب، فأصبح مصطلح ( الخروف ) يطلق على ذاك الشاب المطيع زيادة عن اللزوم، الساذج عاطفيا، والمهووس بإرضاء فتاة مهما كانت نوع علاقته بها : خطيبة، زوجة، صديقة، زميلة أو حتى ( لسة ما واضح شنو بيناتهم ) .
الشاب ( الخروف ) لا يتأخر عن تلبية أي طلب،
يشتري للبنت الشوكولاتة بكل أنواعها – دارك، وايت، محشية، إيطالية – سويسرية ويحمل باقات الورد بحجم مشاعره، ويهدي لها مستحضرات التجميل، الإكسسوارات، والبرفيومات، يتعدى أنواع الهداية الضمنية و العينية لتتحول إلى صرف بذخي ، تحويلات بنكية ، و لا تتوقف عند الهواتف الذكية و تصل إلى السيارات و اكثر ، تزيد قيمة المنفعة كلما كان للخروف قدرة مالية و نفوذ (تاجر، دهابي ، رجل أعمال، ضابط ، سياسي) تزول الفوارق العمرية ابتداء من متدرب موظف إلى سن المعاش ( شوقر داد ) .
لكن تزول كل هذه الهيبة السلطوية أمام الحسناوات من الفتيات و يصبح الخروف حمل وديع، يقدم كل التنازلات من الاعتقادات الفكرية إلى المبادئ، و يقدم أوراق اعتماده للبنت، ويختتم كل ذلك بجملة مشهورة :
( جربيني… شوفي ممكن أنفع معاك ) !!!
أما هي، فقد لا تكون معنية به عاطفيا، لكنها راضية بوجوده طالما يلعب الدور المطلوب : الممول، المستجيب، المطيع، السامع الجيد، والمادح الصبور.
وحتى لو صرحت له قائلة : ( أنا متقدمين لي كم شخص ) لاجتهاده في كسب ثقتها, و بعد فترة ليست بالقليلة و معرفتها حجم إمكانياته تصدمه بالقول ( انت زي اخوي ) !!!
فهو يبتلع هذه الصدمة و خيبة الأمل، ويكتفي بالقرب منها، وكأن هذا القرب إنجاز.
يصبح الإنجاز الوحيد لهذا الخروف انه ( خرب السوق ) لنظرائه و منافسيه من العاشقين ( الباكين) .
بعضهن يتلذذ بجمع عدد كبير من الخراف و يتفاخرن فيما بينهن .
وفي المظهر والسلوك، يمارس ( الخروف العاطفي ) صمتا مطبقا،هذا النوع من الخرفان يسمى ( ابو قرون ) .
هي تلبس ما تشاء، تكشف كل ظاهرها، تنشر صورها على السوشال ميديا، تجاهر بحريتها، وهو أول من يعجب ويعلق ويصفق، وكأنه غائب حتى وهو حاضر.
قراراتها مصيرية ؟ نعم.
وهو؟ لا يسأل.
ظاهرة ( الخروف العاطفي ) لم تعد مقتصرة على فئة العشاق المساكين الولهانيين، بل امتدت لتشمل الأزواج، الأخوان، وحتى الآباء!
فكم من أب باع الأجهزة المنزلية ليشتري موبايلا لابنته !
وكم من زوج سكت عن كل تصرفات زوجته بدافع الخوف من خسارتها !
العيد مناسبة روحانية عظيمة، تذكرنا بالفداء والطاعة،
لكنها أيضا فرصة لإعادة النظر في بعض المعاني و العلاقات.
الطيبة جميلة، لكن السذاجة مؤذية.
والمبادرة في الحب مطلوبة، لكن الذوبان في الآخر كارثة.
اخر الكلام
الخروف الحقيقي في العيد يضحى به مرة واحدة…
لكن ( الخروف العاطفي ) تذبح كرامته كل يوم.
وفي النهاية، قد تهدى له جملة الختام :
( أنت تستاهل واحدة أحسن مني ) !!!
فـ قبل أن تشتري الورد، وتحجز للعشاء، وترسل باقة الإيموجي،
اسأل نفسك بصدق :
هل أنا محبوب ؟ ولا… محلوب؟
وكل سنة وإنت راجل… مش خروف.