مقال| التسوية السياسية..(جبريل يعوعي وبصلتو في النار)

التسوية السياسية… (جبريل يعوعي وبصلتو في النار)

مقال بقلم: هبة زمراوي

هناك حكمة يرددها جل أستاذتنا في المدراس حتى لا يهمل طالب دروسه ويحاقه الندم وهي( لا تؤجل عمل اليوم إلي الغد)، وما ان تأتي الامتحانات حتى يذكرون تلاميذهم بأن (الصلاة يوم القيامة لا تنفع)، أي إذا أنت لم تكن تذاكر دروسك بصورة يومية وراتبة دون تراكم لن تتفعك المذاكرة قبل الامتحان بعشرة دقائق، وهكذا يبدو أن حكومة الإنقلاب والتي إستمرت عاماً كاملاً دون يرف لها جفن في أن تسعى في تصحيح مسارها الذي جاءت من أجله وتركته إلي أن ضاق بها الحال وتأكدت أن الإعتماد علي ( كلام) الحلفاء الإقليميين لن يخرجها من مأذقها الإقتصادي العسير، فإذا بوزير ماليتها يهرول إلي صندوق النقد والبنك الدوليين وهو يعلم تماما أن هذة المؤسسات الدولية لن تدعم حكومة إنقلاب عسكري ولكن ربما إعتقد الدكتور المثقف صاحب القضية أن سيكون له إستثناء لأنه من منطقة نزاع مهمش وحرب ويجب أن يقف العالم كله معه حتى في الخطأ، فهذة المظالم التي وقعت علي أهل إقليمه يريد أن يدفع ثمنها الكل بإستثناء أسرته وأقاربه الذين يجب أن يتمتعوا بالثمن المدفوع دون أهل الاقليم، ولا يجد الوزير والدكتور وصاحب القضية حرج في سبيل ذلك أن يهين أي مواطن متى م أتيحت له الفرصة بذلك، وتصريحه الذي لم يعتذر عنه في ما يخص مرتبات المعلمين واحد من كثير ولكن مما جعل وقع الصدمة قاسيا هذة المرة هو أن المعلم صاحب الرسالة الأسمى في الدولة يحترمه الكل حتى أولئك الذين لم يتلقوا حظا من التعليم يجمعون علي إحترامه كمعلم وكمربي ولا يجرؤ أحد علي إهانته أو إهانت مهنته كيف وهذا الملعم هو الذي عانى التهميش وظل يؤدي رسالته في أحلك الظروف في مناطق النزاع والكوارث والسلم دون تملل أو تقصير، هذة التصريحات لو أتت من شخص أخر (يعرفه الكل) في هذة الحكومة دون ذكر أسماء لوجدنا له العذر ولكن هذة التصريحات من دكتور صاحب قضية يعتقد، وقد خذلتك هذة المرة ي دكتور تشفيك في المجتمع الدولي فهو لن يأخذ برأيك وحدك حتي يدعم حكومتكم الإنقلابية وأيضاً لن تمر عليه (إقتراب تكون حكومة مدنية) و(أصبحت وشيكاً) التي أصبحتم تصرحون بها هنا وهناك لكي توافق هذة المؤسسات الدولية لدعم السودان دون التقدم خطوات عملية في تكوين حكومة مدنية تتولى شؤون البلاد، فهذة المؤسسات لا تأخذ بالوعود التي تمر علي الشعب السوداني البسيط، كما أن الأمم المتحدة ومؤسساتها المالية التي هي جزء منها لها (عيون) و موظفين في السودان يقابلونكم في وضح النهار ويرفعون تقارير عن تعنتكم في تولي مدنيين الحكم وعن الانتهاكات الحقوقية التي ترتكب هنا وهناك من قبل حكومة المجلس العسكري وشريكته في الحكم الحركات، لنفس المؤسسات التي تحاول أن تقنعها أن تكون الحكومة بات قريباً دون مفاوضات معلنة تضم الشارع ودون تأكيدات أو تصريحات من كيانات سياسية تعتبر جزء من حراك الشارع ( يستثنى من هذا حزب الأمة)، وفي إعتقادي أن تمت هذة التسوية مع الحرية والتغيير الجناح المركزي وألت إليهم الحكومة فلن يرضى عنها الشارع أيضاً وسوف تتصعد المواكب فمطالب الشارع أكبر من إمكانيات أي حكومة تأتي عبر تسوية سياسية تحاك في ظرف أسبوع حتي يكسب الوزير نقاط في مفاوضاته مع البنك وصندوق النقد الدوليين، كما أن تصريح بعض قيادات الحركات المسلحة التي تتمسك بإتفاق جوبا لتقسيم الكعكة المقدس عن أن التسوية يجب أن تشمل الكل بما فيها المؤتمر الوطني الذي أوصل البلاد إلي هذة المرحلة، كافي لأن يوكد للجميع أن هذة الحركات بهذا التقسيم للكعكة لن تكون معها حكومة مدنية ذات كفاءة تنجز ما جاءت الثورة لأجله ولكن حتى لا نغفل فهذة الحركات عندما جاءت من جوبا أتت بمستشاريين ومدراء مكاتب لها من حزب المؤتمر الوطني ولذلك تسعى هذة الحركات لرد الدين، وكل يعمل علي حساب الشعب.

أما الحرية والتغيير إذا قبلت بهذة التسوية مرة أخرى تثيت أنها لم تتعلم من أخطائها ليست أخطاء الشراكة مع العسكر في حكومة م بعد ثورة ديسمبر فقط وإنما أخطائها عبر التاريخ منذ بداية إستقلال السودان وإلي اليوم تاريخ أغلب هذة الأحزاب المكونة للحرية والتغيير عبارة عن مفاوضات وتحالفات وفض شراكة وتقاسم سلطة لذلك عندما تزيح عن السلطة تذهب غير مأسوف عليها، فعبر التاريخ كان أخذ أكبر حصة من الكعكة هي الشغل الشاغل لها بدلا من الاهتمام بقضايا الاقتصاد والتنمية وحياة المواطن اليومية، لم تجد الثقة في هذة الأحزاب من قبل الشارع مرة إلا بعد أن أخذت تصطف في صفه مع بداية ثورة ديسمبر وظهور أحزاب جديدة تحمل رؤى أقرب للشارع وشخصيات إستطاعت أن تحدث إختراق للوصل إلي قلب الشارع وكسب تأيده، ومن الأجدر أن تتعلم الحرية والتغيير من الماضي فالتاريخ لا يرحم وذاكرة الشارع لم تصاب بفقد حتى ترجع لنفس الشراكة مع العسكر ويمكن أن يؤيدها الشارع ولا سيما أن الذى اخرج لم يكن نصيبهم من الكعكة بل من أجل حياة أفضل وتجربة الشراكة التي إنقض عليها العسكر عملت علي رفع مطالب الشارع كما أن م تمت من إجراءات في مواجهة قتلة الشهداء وإطلاق سراح المتهمين بقوانين تكاد تكون مفصلة وقتية عن قصد، ذاد من غبن الشارع، وعدم وضع أي إعتبار لأي قضية يراها الشارع مهمة أو انها تقصير في حق الثورة لن تزيد إلا من حراك الشارع الذي ظل يدهش السياسيين على مدى أربعة سنوات كاملات دون إنقطاع يذكر ويبدو أن هذا الجيل حقيقة هو (الجيل الراكب راس)، والذي يراهن علي فقد الشارع للذاكرة سيحجز لنفسه مقعد في مزبلة التاريخ مع العسكر والحركات و(الأرادلة) وغيرهم من المنتفعين ولا أسف عليهم.

تنويه: الحِكم في بداية المقال يستثنى في اخذها بعين الإعتبار من لم يراود المدرسة يوماً وقاده الحظ إلي قيادة الدولة (أنتو فاهمني).