نوستالجيا الأعياد
نوستالجيا الأعياد
بقلم : سارة الإمام
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر..
تظل تكبيرات العيد هي السحر الذي يأخذنا لسماء الفرح الملون بذكريات الماضي كلما انطوت الأعوام، حيث النوستالجيا لأيام مجبولة بالأشواق والمحبة اللامشروطة.
وأهازيج الأعياد التي تزهو بها القنوات التلفزيونية، صوت محمد عبده صدحا بأغنيته:
من العايدين ومن الفايزين إن شاءالله.. أحباب أحباب أحباب..
اخوان اخوان اخوان ..جايين يهنوا فرحانين ..
ثم تلك الأهزوجة التي تعيدني ببراعة لعوالم الطفولة:
أهلا أهلا بالعيد.. مرحب مرحب بالعيد لعيد فرحة وأجمل فرحة .. جمع شمل قريب و بعيد ..
سنوات خلت كنا نستشعر فيها جمال العيد قبل موعده بسؤالنا المكرر لكنه الأحب لأمي :
أمي خالو … جاي يعيد معنا؟ يب خالو … السنة دي ح يجينا؟
لم تكن تلك الزيارة السنوية التي ننتظرها بصبر جميل هي ضوء لعتمة الغربة فحسب إنما كانت طقسا أساسيا من طقوس العيد، تماما مثل كعك العيدين وشواء الأضحى، بل طقسا من الفرح المترف المزدان بالهدايا ونقد العيدية، بالزيارات الممتدة بين الأحياء السكنية، حيث المعارف والأصدقاء لتبادل التهاني والتبريكات، وإشعارات الحضور المدونة على الأبواب الموصدة “حضرنا ولم نجدكم”.
بالمشاوير الممتعة بين الحدائق والملاهي حيث ضحكات الكبار على أيام تأرجحهم بين الغياب وأحلام مثقلة بالمتاعب، وصرخات عالية لاهية لصغار من فوق أرجوحة.
أصوات الموسيقى الصاخبة التي تتراقص عليها جنبات المكان، وأصوات تدندن هامسة على سبيل الدعابة “المامبو السوداني، مامبو.. ” إثر رؤية الملامح السودانية الغارقة في مظاهر جمال قومي يفاخر به السوداني أينما حل وارتحل، فيميزه الناظر للعمائم الكبيرة كالتيجان على الرؤوس والجلابيب البيضاء الواسعة كسعة صدور وبياض قلوب أصحابه.
لتياب الأمهات الزاهية بألوان قزح تفوح منها رائحة الصندل ونقوش الحناء بأشكالها المختلفة كرمزية قدسية لإعتماد السعادة، لمروءة وأخلاق وأدب في التعامل والحديث تختصره لهجة وتختزله عبارة “العفو والعافية.. لله والرسول” وفي صعيد متصل بشريان الحياة، صدح صوت المذياع عاليا بأهازيج الفرح الطروبة، فيتغني إبراهيم عوض برائعته:
يا عيد تعود يا عيد.. بالخير علينا سعيد..
وصوت آخر للمبدع صلاح مصطفى وهو يرسخ مبدأ التسامح كلمة ولحنا فتظل أقرب الأغنيات للوجدان السوداني :
ليه يا حنين ليه الخصام .. ايفك نسيت دي الدنيا عيد .. وعارف خصام العيد حرام ..
فتزدهي الشوارع سماحة، سعادة وتحنان، حيث التزاور بعد الصلاة والإبتهال، والأبواب المشرعة نفاج للمحبة؛ يقف أحدهم عند الباب بوجه طلق وعطر زاكي يعطر الأرجاء:
” طق طق .. السلام عليكم ياناس البيت”
يتقدم ببطء خطوتين إلى الداخل في إنتظار رد التحية، حاملا بيده مسبحة وسجادة صلاة و اليد الأخرى تربت على الكتف بلطف وسلام فتعيد ترتيب الدواخل وتصفي النفوس من عكر الخصام:
– عليكم السلام، مرحب
عيدكم مبارك يا اخوانا، اعفوا مننا،
ربنا يحقق الأماني، السنة الجاية في بيت النبي، السنة الجاية في بيتك
عبارات يتفق عليها ويتوارثها الجميع كأنها عرف راسخ، ثم يتوافد الناس متل شمس الله تدخل في البيوت؛ والشفع البتجارو، وحبات المطر من غير تشاور الغيم تخش، والناس تبارك العيد تتمنى الفرح لكل زول والدمعة والاحزان تطش.
هكذا هو حال العيد في ربوع الوطن بين الأهل والأحباب تغمره البركة وتسوده الهمة وتجمله اللمة.