العودة الى منصة التكوين ورؤية السودان الجديد

بقلم : ياسر عرمان

–  بعد مرور ما يزيد عن ثلاثة عقود من طرح الشهيد الدكتور جون قرنق دى مبيور لرؤيته الداعية لبناء السودان الجديد وما أحدثته تلك الرؤية من قفزة فكرية وسياسية فى الفضاء السودانى، جذبت الملايين وقدم الالآف ارواحهم تحت رايات الحركة الشعبية الوعاء التنظيمى الذى تحمل مهام الدعوة لتلك الرؤية. كانت أعلى درجات التفاعل بين الكفاح المسلح والسياسى المدنى وبين جماهير الريف والمدن ونقطة الإلتقاء التاريخية الباهرة هى الساحة الخضراء حيث التقى السودانيون بتنوعهم فى تلك اللحظة التاريخية المشحونة بالمشاعر الإنسانية والآمال والتطلع الى مستقبل افضل من العدالة والإنصاف. حينها برزت فرصة جديدة غيرم مسبوقة فى تاريخ السودان المعاصر لبناء إطار سياسى إقتصادى ثقافى جديد يحدث قطيعة مع ماضى الدولة السودانية ويقدم إجابات حاسمة لإدارة التنوع وقضايا المواطنة المتساوية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية. الجماهير التى إستقبلت قرنق فى الساحة الخضراء كانت تتطلع لحلول لقضاياها المتمثلة فى السلام والطعام والمواطنة المتساوية والحريات وحقوق الإنسان والصحة والتعليم والمياه والسكن وإنصاف النساء وتوفير فرص العمل للعطالة، اى تحسين شروط الحياة يقع كل ذلك فى صلب برنامج السودان الجديد. يمكن القول بكل ثقة إنه فى الساحة تجاوز قرنق المطالبة بحق تقرير المصير بعد ان توفر له جمهور لتغيير كل السودان.

وعلينا أن نعترف الآن أن برنامج السودان الجديد المستمد من الرؤية لم يتعد مرحلة الشعار ولم يخاطب “قفة الملاح” وهموم الحياة اليومية رغم محاولات قرنق فى وثيقة “بناء السلام عبرالتنمية” والأنتقال الى برنامج تفصيلى. والآن بعد مضى 12 عاما على رحيل ا قرنق لا تزال الحركة الشعبية تحتاج الى الإنتقال من مرحلة الشعار والرؤية الكلية الى القضايا التفصيلية واليومية التى يلزم مخاطبتها بناء المجتمع جديد. وبالنظر للفرصة التى وجدتها الحركة فى سنيين حكمها لتحسين حياة المهمشين وأهدرتها؛ تصبح الحاجة ماسة لإعادة تقييم التجربة والممارسة الفعلية. وقد آن الأوان للحركة أن تتجه بتصميم وعزم لتجديد رؤيتها والإتجاه نحو بداية جديدة تستند على أساسيات رؤية السودان الجديد ولا تتردد فى الإعتراف بكافة الأخطاء وإدخال الإصلاحات المطلوبة على مستوى الرؤية وتقديم برنامج تفصيلى يجعلها جاهزة لمخاطبة الحاجات الفعلية للمجتمع. يجب أن يشمل ذلك بالطبع تجديد البنية التنظيمية ووسائل النضال والإنفتاح على الحلفاء الإستراتيجيين والتعلم منهم وبناء كتلة تاريخية تحسم التردد بين النضال من أجل بناء السودان الجديد أو إنفصال مناطق الصراعات فى الريف كما حدث فى تجربة الجنوب.
تستمد رؤية السودان الجديد أهميتها من دعوتها لوحدة السودان فى إطار سياسى؛ إقتصادى، ثقافى منصف. و تفقد الرؤية جوهرها اذا أدت الى تفكيك السودان على أسس إثنية عبر حق تحقيق المصير فى عملية تؤدى بدورها الى المزيد من التفتيت على ذات الأسس، وذلك لان الأسس الأثنية لا تجاوب على اسئلة العدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية والديمقراطية، لأنها تأخذ الشكل دون المحتوى.
إن رؤية السودان الجديد بإنحيازها لوحدة السودان تنحاز لوحدة إفريقيا، وهو النموذج الذى تحتاجه إفريقيا اليو للحفاظ على وحدة بلدانها ووحدتها فى وجه محاولات نهب خيراتها وهى الوسيلة الفاعلة والمجربة لمقاومة الإستعمار الجديد.
ويجب أن يأتى كل ذلك فى إطارٍ من المواطنة المتساوية والوحدة فى التنوع والعدالة الإجتماعية و والديمقراطية. إنه لمن الصادم تراجع أسئلة وحدة إفريقيا ووحدة بلدانها وقضايا العدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتداول السلمى للسلطة عند الجيل الثانى من حركات التحرر الوطنى الإفريقى.