الدقير يكشف عن شباب البث المباشر السري ويكتب : خمسةٌ وسادِسُهم حُلْمُهم

مع حلول الذكرى الأولى لـ 6 أبريل، بدأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي السودانية تنشر ذكريات واحداث مرتبطة بتلك الايام. وكتب قادة من “الحرية والتغيير” وناشطون، واسلاميون، انطباعاتهم وذكرياتهم وتوقعاتهم، بعد مرور سنة كاملة على السادس من أبريل.

عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني، كتب مقالة عن خمسة من الشباب ، الذين كانوا يبثون بهواتفهم المحمولة مشاهداً حية للتظاهرات التي سبقت يوم 6 ابريل، وحكى عن تعرضهم للمخاطر في نقل وتوثيق الأحداث، وكيف بثوا مباشرة كلمة له قبل يوم من 6 ابريل رغم اشتداد المظاهر الامنية وقتها.

(أوبن سودان) ينقل ادناه مقالة الدقير، التي ارفقها بمجموعة صور لاولئك الشباب:

خمسةٌ وسادِسُهم حُلْمُهم

عمر الدقير

الخماسي الثائر، علي دابا وأيوب حمدان ويسن جدو “تمبس” ومحمد الحسن “حنين” وآدم عبد القادر، يُمثِّل عينةً من ملايين الشباب السودانيين الذي ساهموا في حمل أعباء حراك ثورة ديسمبر المجيدة .. كان هؤلاء الخمسة يشكلون الفريق المكلف من أمانة الإعلام بحزب المؤتمر السوداني بالتغطية الميدانية لحراك ثورة ديسمبر المجيدة، في الخرطوم، ونقله عبر البث المباشر من خلال صفحة الحزب بالفيسبوك والتي كانت مصدراً رئيسياً لمتابعة أخبار ذلك الحراك الباسل.

خمستهم، مثل الملايين من أندادهم، ولدوا في فوهة الجحيم “الإنقاذي” وكُتِب عليهم أن يقاوموهُ ويُحْصُوا أيام أعمارهم الغَضّة – لا بملاعق القهوة، كما يقول تي إس إليوت – وإنما بعدد الشهداء والجرحى من رفاقهم الذي سقطوا أمام أعينهم في ساحات حراك المقاومة في فترات ومواقع مختلفة.
برغم جحيم المعاناة وقمع الاستبداد كانوا ينسلخون من أجواء الكَدَر بسخريةٍ هي في حقيقتها ذروة الجدية وبالقفشات والضحكات ونقاء القلوب التي لا تحمل غلاً ولا كرهاً، ويواجهون فراغ الجيوب بالصدور المملوءة بإرادة التغيير .. ينحازون للحياة بشغف ولسان حالهم يردد بأنّ على أرض وطنهم ما يستحق الحياة، ومع ذلك كانت إرادة التغيير المخبوءة في صدورهم تجعلهم يتقدمون نحو الموت كما لو أنه وعدٌ بولادة ثانية .. كانوا – مثل الملايين من رفاقهم خلال حراك الثورة – منتصبين كالرماح بقاماتٍ مديدة في الشوارع والأزِقّة والميادين، يدافعون عن وطنهم ببسالة طائرٍ يُفَضِّل الموت على رؤية الحدآت وهي تلتهم صغاره في العُش.

كان علي وأيوب وتمبس وحنين وآدم، وسادسهم حلمهم بالتغيير، يحملون هواتفهم ويتنقلون بخفة الفراشات بين التظاهرات النهارية والليلية في وسط الخرطوم وشمبات وبري وشارع الأربعين والثورات والكلاكلات وغيرها من أحياء العاصمة، ويبثونها مباشرةً من تحت وابل الرصاص وسُحُب الغاز المسيل للدموع .. ثم يعودون لمخابئهم السِّرِّية بأجسادٍ أنهكها الكر والفر، وقد يبيتون فيها بأمعاء خاوية أو شبه خاوية.
جاء ثلاثةٌ منهم مساء الخامس من أبريل – وجهاز الأمن ينشط في المطاردات والملاحقات – إلى حيث كنتُ مختفياً وأنجزوا مهمة البثِّ المباشر لكلمتي التي كانت مساهمة متواضعة في توسيع رقعة الدعوة لموكب ٦ أبريل .. كانوا في ذلك المساء موقنين أنه لا يفصلهم عن فجر الحرية إلّا عَدْوَة فَرَس، ومستعدين كما الملايين من أمثالهم لبذل أرواحهم لبلوغ ذلك الفجر.

كان هذا الخماسي المثابر في حراك الثورة من أوائل الواصلين إلى محيط القيادة العامة بعد ظهر السادس من أبريل، وكاميرات هواتهفم الموصولة بالبث المباشر عبر صفحة المؤتمر السوداني تنقل الحدث التاريخي للعالم أجمع .. وظلّ الخمسة مع المعتصمين ولم يبارحوا الميدان حتى شهدوا ذلك الصباح الرمضاني الحزين، صباح الغدر والقتل والحرق والرماد .. تمكنّوا من نقل مشاهد حيّة من ذلك الاعتداء الآثم على المعتصمين العُزّل إلّا من هتاف حناجرهم بالحرية والسلام والعدالة.
في ذلك الصباح نجا علي دابا من الموت بأعجوبة – أو فاته شرف الشهادة بأعجوبة، كما يقول هو – وذلك عندما استهدفه أحد القنّاصة برصاصةٍ غادرة أحدثت جرحاً في العنق، ورغم خضوعه للعلاج والتئام جرحه، ما زالت حاسّة السمع عبر أذنه اليسرى متأثرة من تلك الإصابة.

التحية لهذا الخماسي الرائع الذين أثبتوا بما ساهموا في إنجازه بأجسادهم النحيلة، أن الإرادة لا ترتهن للجسد بقدر ما هي إفراز روحٍ باسلة .. التحية لكل شباب الثورة الذين كسروا قيود الاستبداد بصمودهم، والمجد والخلود لشهدائها الأبرار الذين سقوا شجرة الحرية بدمائهم.