الضيف المقيم… أزمة صامتة في البيوت السودانية
بقلم – حسام الدين كرنديس
يعرف المجتمع السوداني بتقاليده الراسخة في الكرم، وحسن الضيافة، والروح الاجتماعية العالية، وهي سمات أصيلة ومحل فخر لكل سوداني، غير أن هذه القيم النبيلة بدأت تواجه في الآونة الأخيرة نوعا من الانحراف عن جوهرها الإنساني، لتتحول أحيانا من مظهر من مظاهر التراحم إلى عبء اجتماعي ونفسي واقتصادي على الكثير من الأفراد والأسر، خصوصا في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتدهورة.
الجانب الديني والخصوصية الأسرية
من القضايا الحساسة التي لا يجب تجاهلها أيضا، الجانب الديني المرتبط بوجود رجال من غير المحارم مقيمين لفترات طويلة في البيوت، في غياب صاحب المنزل لساعات طويلة أثناء العمل و ممارسة حياته الاجتماعية. هذا الوضع يدخل الأسرة في حرج شرعي واضح، خاصة عندما يكون الضيف متواجدا طوال اليوم مع نساء لا تربطه بهن صلة محرم، وهو أمر يحرمه الدين.
في الوقت الذي يراعي فيه الشرع ظروف الناس، إلا أنه لا يبرر الاستمرار غير المحدود لوجود الضيف، خاصة إذا كان ذلك على حساب سلامة الأسرة وخصوصيتها. وقد يكون لدى الضيف أسباب إنسانية وجيهة مثل المرض، أو فقدان السكن، أو انعدام الأهل من المحارم، لكنها لا تكفي لتبرير الإقامة المفتوحة، بل تستدعي حلولا أخرى تحفظ كرامته وتراعي في ذات الوقت حرمة البيوت وأحكام الشريعة.
الإقامة الطويلة للضيوف وتجاهل ظروف صاحب المنزل
من أبرز مظاهر هذه الضغوط الاجتماعية، الإقامة الطويلة وغير المبررة للضيوف في بيوت الناس، دون مراعاة للظروف الخاصة لأصحاب البيوت، سواء كانت مادية أو صحية أو نفسية أو متعلقة بالمساحة والخصوصية. فبدلا من أن تكون الزيارة وسيلة للتقارب والتوادد، تصبح عبئا ثقيلا يثقل كاهل الأسرة، لا بسبب رفض الضيافة و البخل أو التخلي عن الكرم، ولكن بسبب انعدام المعينات الكافية للتعامل مع مثل هذه الحالات، كضيق المكان، وقلة الموارد، والحاجة للخصوصية.
غياب الإحساس بمشاعر الآخرين وخصوصياتهم
ما يزيد من تعقيد المشكلة هو أن بعض الضيوف يفتقرون إلى الإحساس بمشاعر أصحاب البيت وظروفهم الخاصة، بل قد يتصرفون بلا مبالاة وبرود شديدين، ويتصرفون وكأنهم في فندق مدفوع الأجر، غير مدركين للضغوط المادية والنفسية التي تمر بها الأسر المضيفة، من استنزاف الموارد، إلى تقييد حركة أفراد الأسرة، وتقييد حريتهم داخل منازلهم.
وكم من امرأة أنهكت نفسيا وجسديا في سبيل توفير الراحة للضيوف، وهي تبتسم وتخفي تعبها، في سبيل شعورها برضى الضيوف ، وما ان رفض أصحاب البيت السلوكيات الهمجية للضيوف ، يعد تقصيرا في الكرم أو إساءة للأدب.
نجد أن المجتمع يدين صاحب البيت إذا حاول التعبير عن ضيقه أو وضع حدا للإقامة، ويتهم مباشرة بأنه ( أساء التعامل مع الضيف ) أو ( خيب ااظن )، متناسين أن الضيافة ليست فرضا مفتوحا بلا ضوابط.
بين الأصالة والمراجعة الاجتماعية
الكرم السوداني قيمة أصيلة وجميلة، لكنها لا يجب أن تكون مبررا لتجاهل مشاعر الناس وظروفهم، أو لاستخدام الآخرين بيوتهم كملاذات دائمة دون مراعاة أو ترتيب. لا بد من إعادة النظر في بعض السلوكيات الاجتماعية التي تمارس باسم التقاليد، ولكنها في حقيقتها قد تحمل كثيرا من الأنانية المقنعة.
من المهم أن نرسخ ثقافة (( الزيارة الخفيفة ))، وأن نعلم أبناءنا أن الكرم لا يعني إرهاق الآخر، وأن احترام خصوصيات الناس هو جزء لا يتجزأ من احترامهم. كما يجب أن يعاد تقييم النظرات المجتمعية حول هذه الظواهر، لا بنية التخلي عن قيمنا، ولكن بهدف ترشيدها وتكييفها مع الواقع المعاصر.
اخر الكلام
الضغوط الاجتماعية في المجتمع السوداني باتت تتطلب وعيا جديدا، يوازن بين قيمنا الجميلة وبين احترام ظروف الناس ومشاعرهم وبيئاتهم الخاصة، فلا الكرم يجب أن يستغل، ولا الضيافة يجب أن تتحول إلى واجب مرهق لا مفر منه. إن تقدير الآخر يبدأ من الإحساس بواقعه واحترام خصوصيته، لا فقط من الجلوس على مائدته.