ضمائر على المحك: حين تختلط الشعارات بالمصالح وينسى الوطن
بقلم : حسام الدين كرنديس
في زمن الحروب والنكبات، تنكشف المعادن الحقيقية للناس، وتظهر المواقف التي تسجل في ذاكرة الشعوب لا في دفاتر التنظيمات. السودان اليوم يعاني من حرب مدمرة لم تبقِ حجرا على حجر، ووسط هذه المعاناة، خرجت بعض الأصوات من داخل البلاد وخارجها لا لتعبر عن وجع الناس، بل لتصفي حساباتها الأيديولوجية، أو لترضي مموليها في عواصم القرار الإقليمي.
وطن يباع تحت غطاء الشعارات
كثير ممن اختاروا الاصطفاف مع جهات خارجية – خاصة الإمارات – يبررون مواقفهم بحجة أن ( الجيش تحت سيطرة الحركة الإسلامية ) أو أن ( الكيزان يهيمنون على القرار السيادي ). هذه الرواية باتت الذريعة الجاهزة لكل من قرر أن يقف ضد الجيش السوداني، وضد الحكومة الانتقالية التي تعد اليوم رغم علّاتها الممثل الشرعي المتبقي للدولة السودانية في مواجهة الانهيار.
لكن الحقيقة المؤلمة هي أن هذه الذريعة ليست أكثر من غطاء لتبرير الارتهان السياسي، وفتح الباب للتدخل الأجنبي في شؤوننا الوطنية. من يرفع شعار ( الديمقراطية والحكم المدني ) وهو يتلقى الدعم من أنظمة لا تعرف من الديمقراطية إلا اسمها، ليس أكثر من شاهد زور على تاريخ شعبه.
تسابيح خاطر.. وصوت الإعلام الخارج عن وجع الناس
الإعلامية تسابيح خاطر وغيرها من الأصوات التي تقيم في الخارج اختارت أن تتحدث من منابر بعيدة، بلغة لا تمس نبض الناس في الأسواق والملاجئ والمنافي. خطابها الإعلامي، المحمل بشعارات براقة، أصبح أكثر تمجيدا للحكومة الإماراتية و قربا للرؤية الإماراتية ، و أكثر بعدا من الوجدان السوداني. لم تسمع لها كلمة إنصاف لضحايا القصف، ولا موقف حقيقي ضد التدخلات الخارجية التي تغذي الحرب.
السفير المقال.. بين التمثيل والتواطؤ المعلن
أما السفير السوداني السابق في الإمارات، فقد مثل حالة واضحة لتغليب المصالح الشخصية أو الولاء الخارجي على صوت الدولة الجريحة. صمته إزاء دور الإمارات في تأجيج الصراع، وتغاضيه عن الحملات الإعلامية التي تستهدف وحدة السودان، بل ذهب لأبعد عن ذلك وهو يؤيد أفعال حكومة الإمارات العدائية ضد وطنه ، جعل منه نموذجا للسفير الذي نسي دوره كممثل لوطن ينزف و اصبح متحدثا بالانابة عنهم .
من يسلكون ذات الطريق
لا يقتصر الأمر على شخص أو اثنين، بل هناك تيار كامل من السياسيين، والنشطاء، وبعض أنصار العلمانية وأحزاب اليسار، باتوا يتعاملون مع السودان كقضية تدار من الخارج، لا كوطن يحتاج إلى من يضمد جراحه. وهم وإن اختلفت توجهاتهم، يشتركون في أمر واحد : تبرير التخلي عن الوطن بحجة محاربة خصم أيديولوجي.
ينتقدون الاسلاميين و الكيزان و هم أسوأ منهم بالقول و الفعل .
صوت المواطن.. لا ناقة لنا ولا جمل
وسط هذا كله، يبقى المواطن السوداني البسيط في الأسواق، في المعسكرات، في أطراف المدن هو الوحيد الذي يدفع الثمن. لا يهمه إن كان من يحكمه عسكريا أو مدنيا، إسلاميا أو علمانيا، بقدر ما يهمه أن ينعم بالأمان، والدواء، والخبز. يشعر بخيبة الأمل و الخذلان و تعرضه للخيانة حين يرى أبناء بلده في الخارج يصطفون مع قوى تسعى لتفكيك ما تبقى من السودان، ثم يرفعون شعارات الديمقراطية من فنادق و مكاتب مكيفة و خلف شاشات أجهزة اتصال ذكية .
اخر الكلام.. سيظل السودان حرا ابيا
لسنا هنا لتخوين أحد، ولكننا نطالب من يتحدث باسم السودان أن يكون في صفه حقا، لا في صف من يموله أو يفتح له منبرا. فالأوطان لا تباع بثمن، ولا تدار عن بعد، ولا تختزل في صراع أيديولوجي على حساب دم الأبرياء.