القراصة بالتقلية : الوجبة السودانية التي تشبع القلب قبل المعدة

بقلم – حسام الدين كرنديس
ما أن يزحف الجوع على الأمعاء، وتبدأ المعدة في قرع طبولها، حتى تتجلى في الأفق صورة القراصة، تلك الفطيرة الدائرية التي تُعد من دقيق القمح الكامل، تُخبز على صاج ساخن حتى تكتسب لونًا ذهبيًا ونكهة لا تُضاهى. تُقدم القراصة مع ملاح التقلية، الذي يُحضّر من اللحم المجفف (الشرموط)، والبصل المحمر، والصلصة، والبهارات، يرافقها صحن الشطة الخضراء اللاذعة الممزوجة بالليمون الأخضر الحالي و البصل الأبيض الدامع، لتشكل وجبة إفطار سودانية متكاملة.
بعد الانتهاء من القراصة، يأتي دور التحلية. التي يسبقها غسل اليدين ..
* غسل اليدين تبقى المعركة الأشرس على مر العصور بين المالح و الحلو
تبقى العملية الشائكة والأصعب، مع تعاقب الأزمنة الحجرية والمعاصرة والحديثة، وتختلف هذه العادة من مكانٍ لآخر. في قرى الشمال، لا يُحبَّذ اللجوء إلى الصابون فقط، بل يُستخدم الماء مع الصابون والرمال ( شويه دردقة بالرمال الناعمة ) مع تفتيش دقيق بين الأظافر و المفاصل ، في بعض الأحيان ، إذ يُفضَّل ( لَعق ) الأصابع باللسان والخوض في التحلية مباشرة، معللين ذلك بأن ( المعدة ما فيها أدراج ولا رفوف تفرز بين المالح والحلو ).
أما في العاصمة، فتستغرق العملية وقتًا من الزمن، وتبدأ معها اشتباكات معقدة وعراك بين الأصابع حتى تزول مادة الويكة ( اللايوقة )، ويتسنى الرجوع إلى المائدة بغرض التحلية.
* مرحلة تسبقها الإبتسامات و تحتاج قدلة و رقصة
تُقدم الشعيرية المحمرة بالزبدة، والممزوجة بالقشطة والعسل، لتكون مسكًا ختامًا للوجبة. يُرافق هذه الوجبة مشروب البيبسي البارد، الذي يُنعش الحلق ويُكمل متعة الطعام، يجي كأنو ( الخُرطوم في موسم الفيضان ) ، يغسل الحنك ويعزف سيمفونية الختام.
هذه الوجبة ليست مجرد طعام، بل هي طقس اجتماعي يُعزز الروابط الأسرية، ويُعيد الذكريات الجميلة. تُعبر عن كرم الضيافة، وتُجسد التراث الثقافي السوداني .