القوات المسلحة السودانية: درع الوطن وحامي وحدته 

 

بقلم – حسام الدين كرنديس

 

تعد القوات المسلحة السودانية واحدة من أقدم الجيوش النظامية في إفريقيا والعالم العربي، وتمثل العمود الفقري لكيان الدولة السودانية منذ نشأتها. لعبت هذه المؤسسة الوطنية دورا محوريا في حماية البلاد، ودعم استقرار الإقليم الإفريقي والعربي، ومساندة دول الجوار في أصعب لحظاتها. غير أن أكثر فصول تاريخها حساسية وعمقا، هو صمودها خلال الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 ضد مليشيات الدعم السريع المدعومة خارجيا، وهي حرب كادت أن تؤدي إلى تفكك السودان لولا ثبات الجيش واصطفاف الشعب خلفه.

 

 لمحة تاريخية عن القوات المسلحة السودانية 

 

تأسست القوات المسلحة السودانية في النصف الأول من القرن العشرين، وتحديدا عام 1925، وهي مؤسسة وطنية راسخة تطورت في تكوينها ومهامها، لتشمل الدفاع عن السيادة الوطنية، وحماية الحدود، والمشاركة في عمليات حفظ السلام. وتعد القوات المسلحة حاليا من أكثر الجيوش انضباطا وخبرة قتالية في القارة الإفريقية و الوطن العربي، بفضل سجلها الحافل في المعارك الوطنية والإقليمية.

 

دورها الإقليمي في حفظ الأمن والاستقرار 

 

امتدت مساهمات القوات المسلحة السودانية خارج حدود الوطن لتشمل دعم استقرار وأمن العديد من الدول الإفريقية والعربية، في إطار من المسؤولية التاريخية والجوار المشترك.

 

تشاد وأفريقيا الوسطى: لعب الجيش السوداني دورا بارزا في تهدئة النزاعات الحدودية، وتأمين المناطق المشتركة، ومنع تدفق الأسلحة والمتمردين.

أوغندا وكينيا: شارك السودان في جهود نزع السلاح على الحدود، وتبادل المعلومات لمكافحة التهريب والإرهاب.

جزر القمر: ساهمت القوات السودانية في بعثات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي.

إثيوبيا وإريتريا: حافظ الجيش السوداني على التوازن الحدودي ومنع التصعيد في النزاعات الحدودية، لا سيما في منطقة الفشقة. مصر وليبيا: تعاون استراتيجي طويل الأمد، خاصة في تأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب.

 

معركة الحفاظ على السودان – حرب القوات المسلحة ضد مليشيا الدعم السريع (2023 – 2025)

 

 بداية التهديد 

 

اندلعت المواجهات المسلحة في 15 أبريل 2023، حين تمردت مليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بدعم مالي وعسكري واسع من دولة الإمارات وعدد من الدول الإفريقية. استولت المليشيات على أجزاء من الخرطوم ومدن سودانية أخرى، وشرعت في عمليات نهب و اغتصاب و قتل ممنهج، في محاولة واضحة لتفكيك الدولة السودانية.

 

 صمود القوات المسلحة واستعادة المبادرة 

 

رغم المفاجأة الاستراتيجية، أظهرت القوات المسلحة تماسكا بطوليا

أعادت تنظيم صفوفها بسرعة، استعادت المدن الأكثر تضررا و العاصمة تدريجيا من المليشيات، منعت تمدد الفوضى إلى الولايات الاستراتيجية، قطعت الإمدادات الخارجية عن المليشيات، وأضعفت قدرتها على الاستمرار.

 

 مواجهة حرب إعلامية واستخباراتية 

 

لم تكتف المليشيا بالقتال الميداني، بل خاضت حربا شرسة مدعومة بوسائل إعلام إقليمية ودولية، سعت لتشويه صورة الجيش، لكن القيادة العسكرية السودانية واجهت هذا الهجوم بثقة، واختارت خطابا موحدا وهادئا، ميز بين المليشيات والشعب، ونجحت في كسب المعركة الأخلاقية.

 

 التحام الشعب السوداني بالقوات المسلحة 

 

شكل الشعب السوداني خط الدفاع الداخلي الأكثر صلابة. وقف المواطنون بجانب الجيش، ورفضوا سلطة المليشيات، فكانت هناك هجرة جماعية من مناطق سيطرة الدعم السريع إلى المناطق الآمنة التي يسيطر عليها الجيش.

 

ملايين المواطنين لجأوا للجيش طلبا للأمن ، اللجان الشعبية دعمت القوات بالمعلومات والدعم اللوجستي ، مشاهد التضامن الشعبي أظهرت وحدة وطنية غير مسبوقة، جعلت من الحرب مشروع مقاومة شعبية شاملة.

 

  ثبات وحنكة القيادة العسكرية 

 

كان لقادة القوات المسلحة دور فاصل في هذا الانتصار:

أداروا المعركة في أقسى الظروف بحكمة وثبات ، ظهروا في الخطوط الأمامية مما عزز الروح المعنوية للجنود ، تعاملوا سياسيا ودبلوماسيا بذكاء، حافظ على صورة الدولة ومؤسساتها أمام العالم ، رفضوا الانجرار إلى العنف الأعمى، وأكدوا التزامهم بالحفاظ على وحدة السودان.

 

 اخر الكلام 

 

لقد أثبتت القوات المسلحة السودانية خلال هذه المرحلة التاريخية أنها ليست مجرد جيش، بل صانع وحدة وحام لكيان الدولة. ورغم حجم المؤامرة والدعم الخارجي للمليشيات، فإن التحام الشعب، وصلابة القيادة، واحترافية الميدان، شكلوا مثلث الصمود الذي أنقذ السودان من الانهيار.

تعد هذه المعركة صفحة مضيئة في تاريخ السودان الحديث، أثبتت أن الشعب السوداني حين يتحد خلف جيشه، يكون قادرا على تجاوز المستحيل. وستبقى هذه التجربة علامة فارقة في الوعي الوطني، ورسالة إلى الداخل والخارج بأن السودان دولة عصية على التفكك، وشعبه لا يكسر.