“سماحة” الأخلاق السودانية تهوى مع أول رصاصة

مقال بقلم: هبة زمراوي

 

هل سيعود المواطن السوداني بعد الحرب كما كان من قبل، وأنا هنا لا أتساءل الرجوع إلى نمط الحياة قبل الحرب، أو التحول للاقتصاد والاتجاه للادخار، أو الحلول البديلة من التمليك العقاري في دول أخرى كما أصبح موضوع يتناوله الكثيرين، ولكن التساؤل هنا عن أخلاق الشعب السوداني هل تعود كما كانت قبل الحرب؟.

وكما هو معروف ويشاد به نبل أخلاق السودانيين في العالم أجمع، وقيم ومبادئ وحسن أخلاق الشعب السوداني، كانت هي مصدر فخر لكل مواطن خارج بلده ومصدر إعجاب لكل شخص أجنبي، حتى داخل السودان كانت دائما ما تدهش العالم مواقفنا (الرجولية) كما يطلق عليها، ورجولية لا تعني الذكورة وإنما مجموعة صفات حميدة مثل النخوة والشجاعة والمروءة والتضحية تجتمع كلها في كلمة واحدة.

وهذه الأخلاق السودانية النبيلة، لو عدنا بها إلى الوراء يرجح البعض أنها في الأصل تعود إلى العهد القديم ودولة كوش ولا سيما عهد الملك بعانخي الذي أطلق عليه لقب (درويش) من قبل بعض الكتاب بسبب زهده في الحكم والعطاء بسخاء والتدين الشديد، وتعليماته لجيشه في الحروب، بعدم الهجوم على العدو ليل وانتظار إمدادات العدو حتى تصل إذا طلب منهم العدو ذلك، بهذه العظمة كان أخلاق الملوك وجيش ملوك كوش، ويربط البعض كرم أخلاق السودانيين التي أدهشت العالم بهذا العهد كامتداد للعقل الباطن.

بالتأكيد لم تكن هذه الصفات بنفس الوتيرة العالية، في العهد الحديث، وإنما أصابها الكثير من الشوائب.

معروف أن الاقتصاد يؤثر على الأخلاق فكلما تدنى الاقتصاد تدهورت الأخلاق، (ومن المؤسف قول هذا)، وليس تبريرا للخراب وضعف والإيمان وتدني الأخلاق الذي صعد للواجهة مؤخرا، ولكن التدني الاقتصادي، والحروب الطويلة التي عاشها السودان هدت جبل النبل لديه.

وما أفرزته الحرب الأخيرة في الخرطوم من سرق ونهب وانتهاكات، وانتشارها هذه الاعتداءات في كل مناطق الحرب، كان صدمة ولا زال لكل السودانيين والمراقب للوضع في السودان، ولسان حالهم يقول “من أين جاء هؤلاء”.

خسارة الحرب الكبيرة لن تكون السرقة والنهب وتدمير المباني، ولكن هي أخلاق المواطن، وهو أهم عنصر والذي يعول عليه بناء دولة جديدة عندما تنتهي هذه الحرب اللعينة.

تطويل أمد الحرب يزيد من إفرازاتها السلبية، عدم التحرك السريع لحسم الحرب (بغض النظر عن الطريقة)، سيجعل آثار الحرب المؤلمة باقية لفترة أطول.

الظواهر السالبة التي تبعت الحرب، تحتاج لاحتواء فوري، الذين عاصروا الاقتتال يحتاجون رعاية نفسية، الضغط والقلق والخوف كلها إضرابات نفسية، منظر الجثث المتحللة في الشوارع وصوت المدافع هذه ليست امورا إعتيادية ، تجاهل هذه الأشياء لها عواقب وخيمة، بدأت تظهر في شكل ميول للانتحار.

تعافى المواطن وصلاحه قبل كل شي، حتى يتجاوز صدمته ويعمل من أجل الوطن.

“من يعرف الحرب لا يدنو لمرقدها… نحن الشعوب ضحاياها فيا أسفي ضعنا وضاعت دوننا البلد” محمد نجيب محمد علي.

مقال بقلم: هبة زمراوي