مقال: حرب جنرالات الدم في السودان
حرب جنرالات الدم في السودان
هبة زمراوي
انتظرت أن تنتهي الحرب حتى اكتب مرة اخرى ليشمل المقال كيف بدأت الحرب وكيف انتهت وكنت اظن عبثا أن الحرب سوف تنتهي قريبا وترفرف فوقنا حمامات السلام، ولكن هيهات منذ ثلاث شهور ونحن نقف في الخامس عشر من أبريل ولم يشرق صباحاً جديد علي السودان بعده وكأننا في يوم الحشر ننتظر حسابنا علي يد دانات الدعم السريع او طيران الجيش.
لا يخفى علي أحد الصراع في السودان وأسبابه الواضحة للعيان حيث انه صراع بين طرفين يتمثل الأول في شد الحركة الإسلامية لقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان حتى ينقض علي ما تبقى من الثورة وعدم رجعوها مرة أخرى للساحة بأي شكل من الأشكال حتى وإن كانت نسبة تمثيلها لا تذكر عبر الاتفاق الإطاري وحتى لا ننسى الأحزاب ليسوا بأقل خطورة علي الثورة من العسكر، ولكن الحركة الإسلامية حرصت علي أن لا تأتي جهة وتذكرها بالثورة مرة أخرى وإن كان ذلك عبر الحديث فقط وربما لا تريد ان تتذكر ان هناك من إنتصر عليها دون سلاح بل بالنقاء فقط، أما طرف الصراع الآخر والذي تمثل في نائب رئيس مجلس السيادة وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، والذي كانت طموحاته أكبر من رتبه العسكرية (الساي)، وحميدتي معروف بنكران الجميل فلم يساعده أحد علي شيء إلا وانقلب ضده من موسي هلال والبشير وصولا الي البرهان، وهو ما يمكن أن يفسر دعم الإسلاميين لهذة الحرب بعد أن تنكر لهم حميدتي وهو يرى نفسه انه قد كبر عليهم ولم يعد ذلك العسكري الذي ينفذ أوامر الجيش في حربه في دارفور وكردفان والنيل الازرق ضد الحركات المسلحة ويرضونه بحفنات نقود ورتب، فهو اليوم يضع ربطات العنق الأجنبية بدل من الكمدول ويحيونه أكبر الرتب في الجيش من خريجي الكلية الحربية ويجوب السودان شمال وجنوبا وغربا وشرقا جالس مع الإدارات الأهلية ويذبحون له الذبايح ويكرمونه ويشكرون فيه بعد أن كانت حدوده لا تتخطى صحراء وادي الملك وحدود ليبيا وتشاد، بل و أصبح الآن يستقل طائرات رئاسية يجوب بها العالم يستقبلونه إستقبال الفاتح في بلاده ويعقدون معه الصفقات ويعلمونه أسرار اللعبة فكيف لا يتنكر للإسلاميين الذين لم يستطيعوا أن يبنو شبكة علاقات واسعة في ثلاثين سنة بينما تخطاها حميدتي في ثلاث سنوات.
نعود للحرب في السودان مرة أخرى والتي وإن كنت لا أبالغ في وصفها فهي أشبه بيوم القيامة، فسكان دارفور والخرطوم علي وجه التحديد خاصة الذين لم يبرحوا بيوتهم فحياتهم أشبه بإنتظار محاسبتهم بأن تقع عليهم دانة أو رصاصة طائشة او متعمدة من تلك الذين يقتلون بهمجية ودون رحمة، أو ينتظرون قصف مدفعي او هجوم قوات الدعم السريع “الجنجويد” للنهب في أو هجوم عصابات (النيقرز)،وليت في يوم القيامة هذة كان الشعب السوداني يحاسب نحاسب علي أعماله، ولكنه يحاسب علي تركة الرئيس المخلوع عمر البشير والتي تمثلت في السماح له بتكوين مليشيات تحميه من الجيش، ثم اخذها البرهان لتحميه من الثورة وليته اكتفى بما أعطى البشير من إمتيازات للمليشيا بل قام بدعمها ومساعدتها وتوفير الغطاء لها وتجريم من يتحدث عنها، وأذكر ذات مرة علق البرهان التفاوض مع الحرية والتغيير لثلاثة أيام أبان إعتصام الثوار أمام القيادة العامة للجيش في2019م فقد علق التفاوض بسبب هتافات الثوار المناهضة للمليشيا “الجنجويد يتحل” ووصفها بالمستفزة، وعلي مدار الأربعة سنوات لم يترك البرهان محفل وإلا تحدث فيه البرهان عن أن الجيش والدعم السريع علي أنهم شيء واحد وأن الذي يتحدث بغير ذلك يريد أن يفتنهم، إلا انه خرج إليهم في أبريل ليعلن أن الدعم السريع قوة متمردة وقائدها متمرد وكأن الثوار كانوا يتحدثون اللغة المروية، أعلن البرهان حميدتي كمتمرد بعد أن بنى حميدتي أضخم المعسكرات حوالين العاصمة الخرطوم، أعلن البرهان حميدتي كمتمرد بعد أمتلك الدعم السريع وسائل اتصالات ومواصلات وأسلحة حديثة من دول صديقة تعتبر للجيش أيضاً، أعلن البرهان حميدتي كمتمرد بعد أن تغلغل في الجيش وتفاصيله، والحقيقة أن البرهان أعلن حميدتي كمتمرد بعد أن خاف على نفسه منه.
الكل يدرك أن هذة الحرب لا يمكن أن ينتهي فيها الدعم السريع بقوة السلاح وإن إنتصر الجيش في الخرطوم فلن تهدأ الولايات أبدا، فلماذا إذن دمار الوطن، ولماذا يقتل المواطن ولماذا يدفع المواطن ثمن خلافهما على تلك الطموحات، ولماذا يدفع الوطن ثمن عبث الجنرالات به وهم ينقلون الحرب من حرب طموحات لحرب وجود قد لا نجد السودان كدولة بعد هذة الحرب ما يحاك ضد السودان أكبر من شعبه المسالم فلماذا يصر جنرالات الدم علي فقده وقد أدركوا ذلك الآن ولماذا يصرون على أن يكونوا سبب ضياعه حتى أن التاريخ لا يخلد أمثال هولاء إلا إذا كان هناك تخليد للبشر الأكثر دموية ومحبة للموت والدماء،
الشعب السوداني شعب خلوق ومسالم وقد خلد ذلك في تاريخ بعانخي، السودان لا يشبه الحرب وشعبه يجب أن يعيش في سلام وأمان وكرامة وعلى القادة ترجيح الكفة الأكثر منفعة للوطن والمواطن وأن يرجح صوت العقل وصوت السلام وأرضا سلاح.