الطيب صالح.. قصة نجاح
الطيب صالح.. قصة نجاح
- بقلم: هشام عباس زكريا
تمر علينا هذه الأيام الذكرى الرابعة عشرة (18 فبراير 2009) لرحيل أديبنا الروائي السوداني العالمي الطيب صالح الذي قدم وثيقة للباحثين عن النجومية والشهرة أن طريقها ليس التكبر والتعالي لكنه أعطى تعريفاً حقيقياً للمثقف، فلا يمكن أن نطلق على شخص بأنه مثقف ما لم يتمثل بأربع صفات هي رحابة الخيال والتسامح والبساطة وروح الدعابة، فالخيال هو الصفة التي يضيفها الإنسان الذكي إلى ما يقرأ أو ما يكتب لكي يزداد فهماً له، ولكي يجعله أقرب إلى الحياة والواقع، أما التسامح فإن الإنسان لا يستطيع التعبير عن الآخرين ما لم يقبلهم بعلاتهم.
فلا يمكن أن نطلق على شخص بأنه مثقف ما لم يتمثل بأربع صفات هي رحابة الخيال والتسامح والبساطة وروح الدعابة، فالخيال هو الصفة التي يضيفها الإنسان الذكي إلى ما يقرأ أو ما يكتب لكي يزداد فهماً له، ولكي يجعله أقرب إلى الحياة والواقع، أما التسامح فإن الإنسان لا يستطيع التعبير عن الآخرين ما لم يقبلهم بعلاتهم.
حكى الأستاذ حسن تاج السر أنه كان مع الطيب صالح في أحد شوارع لندن، فمر تونسيون بهما ولما عرفوا أنه الطيب صالح استأذنوه في أخذ صورة فوتوغرافية معه، واستجاب لهم لكنه علق بطريقته المتفردة الجماعة ديل لم يجدوا غيري أنا “المسكين” ليتصوروا معه، فذلك هو الطيب صالح الذي لا يرى في شخصه سوى إنسانا عادياً.
ويروي المشير عبد الرحمن سوار الذهب كيف أنه نزل فندقاً في بلد مغاربي، فدخل عليه في حجرته مواطن من ذلك البلد وسأله إن كان “الطيب صالح” فرد عليه المشير سوار الذهب بما أذهله “ليتني كنت الطيب صالح فأين أنا من تفرده وعبقريته” وذلك لما يراه الآخرون في الطيب.
أما الأستاذ صلاح أحمد محمد صالح الذي زامل الطيب صالح في القسم العربي بإذاعة لندن (B.B.C) في الخمسينات يقول إنه كان يقدم الطيب صالح لأصدقائه ومعارفه بأنه صديقه فما طفقوا ينادون الطيب ويخاطبونه “بصديق صلاح” حتى بعد أن عرفوه وعرفوا اسمه الأمر الذي استفذه فقال لصلاح بطريقته الساخرة .. دعهم يطلقون عليَّ الآن صديق صلاح، فقريباً سيحدث العكس ويطلقون عليك صديق الطيب صالح.
ويروى الإعلامي المصري عبد الرحيم الرفاعي الذي زامل الطيب أيضا في إذاعة لندن، بأن الطيب جاءه في يوم ليقول له معك عشرة جنيهات سلف فلما أعطيتها له “كما يقول الرفاعي” قال لي.. إنني أدعوك للغداء مع صديق عزيز ولم يكن ذلك الصديق إلا الروائي المعروف يوسف إدريس ويقول الرفاعي عن هذا الموقف .. هل كان ممكناً لحاتم الطائي أن يتسلف مبلغاً من شخص ثم يدعوه للغداء بذات المبلغ.
أما الكاتب المصري رجاء النقاش الذي يُرجع إليه النقاد سبب شهرة الطيب صالح فيقول عنه “عاش الطيب صالح معظم حياته في لندن وتزوج من سيدة انجليزية فاضلة له منها ثلاث بنات نابغات يعشن الآن في لندن ويعملنَّ في بعض مؤسساتها الثقافية المهمة وبرغم ما حققه في انجلترا وغيرها من بلدان العالم من تألق لن تجد للطيب أثراً “للخواجة” الذي لفت انتباه الانجليز نبوغه وذكائه وثقافته العالية ولغته الانجليزية المتقنة اتقاناً تاماً وكأنه مولود في لندن. برغم ذلك فالطيب صالح ليس سوى عربي شعبي أقرب إلى أهل التصوف الرفيع الذي يرتفعُ عن صراعات الدنيا، فأوربا على طول الحياة فيها لم تغير شيئاً من أصالة الطيب صالح ولم تقتلع منه جذوره الشعبية الإنسانية التي تربط بينه وبين بلاده برباط روحي وثيق.
إن حياة الطيب صالح تصلح أن تكون “خارطة طريق” لكل الطامحين للنجاح، فالنبوغ لا يحتاج للسهام والحراب بقدر ما يحتاج إلى التسامح والتصافي وحب الآخرين والعمق في تقدير الأمور والمواقف.
رحم الله الطيب الصالح فقد نثر الكلمة عطراً طيباً وجسد التواصل في محيطه الأسري وفضائه العالمي