مقال: إلغاء الانتقال
- إلغاء الانتقال
- مقال بقلم: النذير السر
- لقد أصاب الإعياء الخبراء والمحللين من التذكير بتجارب الانتقال الوطنية السابقة ثورتي أكتوبر وأبريل عوضا عن التذكير بالتجارب العالمية، هذا منذ اندلاع انقلاب ديسمبر المتثور صناعة، وتم تجاهل هذه الملاحظات جملة من قبل الصناع والممولين؛ لأنهم يدركون أن هذا التغيير لا صلة له بالثورة غير (التجيير).
وبعد فشل أو إفشال التشبيك المصطنع بين شركاء الانقلاب، والتجاذب السياسي الذي يكاد يذهب بميدان التجاذب إلى القتال، كان متوقعا أن يعود (الشركاء السودانيون) لرشدهم، وينفضوا أيديهم من اتباع خطط الصناع والممولين الخارجيين، الذين يتعاملون مع الأمر كمجرد صفقة تجارية معرضة لاحتمالات الربح والخسارة ولديهم كامل الاحتياطات المالية الكافية لتناسى إنفاق ما أهدر.
كان المأمول أن يستذكر (الشركاء المحليون) أن الخسارة ستكون الوطن بكل معانيه، ولكن للأسف بالنظر للوثيقة الدستورية والطريقة التي قدمت بها، وعودة العسكر وتلميحاتهم التي تقارب الصراحة، بالعودة لذات الوصفة الأولى التي أعقبت الانقلاب، (شراكة عسكرية مدنية) مع ما تعارف على تسميتهم أنفسهم (بقوى الثورة) مع إضافة بعض الأحزاب (كترميز تضليلي) لليمين السياسي، تؤكد أن الصناع والممولين لا يضعون أي اعتبار لبديهيات الانتقال، بل يعملون بشكل جدي (لإلغاء الانتقال) وإقامة نظام عسكري مسنود ببعض (الشغيلة السياسية) عديمة التأثير والحضور والوزن السياسي.
هذا مسار لكل مدرك لطبيعة السياسية السودانية والمتغيرات التي أحدثتها تجربة الحكم الاتحادي من تجذير لمفهوم الحكم والشراكة فيه وصناعة القرار، تجعل هذا الأمر مستحيل التطبيق، وقد تجاوز الاهتمام بالحكم هذه الإطار الحديث والرسمي للحكم (أجهزة الحكم الاتحادي) إلى بؤر أشد تماسكا ووحدة وامتلاء بثقافة الحق الدستوري في المشاركة في السلطة والثروة، (إقليمية وجهوية).
أن تنزيل رغبات الحكم الأبوي والملوكي على شعب نال استقلاله باكرا، وساهم في دعم كل حركات التحرر في قارته الفتية، يشابه تماما إقامة مزاد للهجن ببورصة ناسداك، كما أن محاولة الاستجابة للجيل الشبابي الرافض لغالب القديم سياسة وثقافة وفن، بإعادة الأحزاب الطائفية كحاملة وحاضنة للحكم العسكري المتماهي مع المراكز الإقليمية المتضخمة بالأموال، أمرا غير كشفه لجهالة المنتظرين له والمنفذين يكشف قلة حيلتهم تجاه مستقبل سوداني يتفتق بعزم تجاه الغد الديمقراطي المستقيم، وهذا كاف جداً لمواجهة خطة (إلغاء الانتقال) و(إجبار) سدنتها ومنفذيها على (الارتحال).