المحاولة اليائسة لتحويل مسار الثورة

بقلم: هبة زمراوي
– طالما أن الثورة تعني في الأساس تغيير وضع قائم فهي بذلك تخلق أعدائها وهم المستفيدين من هذا الوضع في المقام الأول، ويساندهم أولئك الذين يهابون التغيير دون أن يكون لهم مصلحة في الوضع الراهن أو الأتي.
ففي الثورة السودانية اذا نظرنا إلي المستفيدين من نظام الانقاذ نجدهم كانوا من أكثر المنتقدين للثورة بل بذلوا كل جهدهم من أجل فشل هذة الثورة والإساءة إليها، فالبعض يخاف علي منصبه وآخر علي غطاء فساده وكذلك يوجد فيهم من يريد النجاة من العقاب علي جرائمه وهي من أكبر الفئات التي تمنع تقدم الثورة الان فنجاح الثورة يعني محاكمتهم وموتهم، ويظهر ذلك في تعنت المجلس العسكري الانقلابي في الاستحواذ علي السلطة فبغض النظر عن أن لديه جرائم في عهد الإنقاذ أم لا نجده تلاحقه تهم فض الاعتصام التي اعترف بها أحد أعضائه علانية وفي القنوات الإعلامية كأنه يتحدى الشعب السوداني بقوته وجبروته وتسلطه، وأيضا جرائم القتل والإنتهاكات التي صاحبت الفترة الثالثة من الثورة اذا قسمنا الثورة الي فترات مختلفة، فترة أولى بدأت في ديسمبر 2018 لقلع نظام الإنقاذ، فترة ثانية ضد المجلس الانقلابي(الانقاذ ب) إنتهت بالمشاركة اللعينة مع العسكر، فترة ثالثة بدأت بعد إنقلاب البرهان الثاني في الخامس والعشرين من إكتوبر، حيث وقعت أعداد لا يستهان بها من الشهداء بلغت 64 شهيدا ومصابيين قدروا بحوالي ألفين مصاب.
وعند التمعن في الثورة في مرحلتها الثالثة نجد أن المجلس الانقلابي يتعامل معاها كمسألة حياة أو موت، فقد إستخدم الإنقلابيين كل أساليب البطش والقمع من أجل إنتهاء هذة الثورة التي واضح أنها أرهقتهم وأرقتهم ولكن لا مفار ولا إستسلام لهم خوفا علي أنفسهم من المحاكمات والقضايا التي في إنتظارهم وكذلك(عدم المقدرة علي عصيان أوامر المدير).
وليس بغريب أن يحاول هذا المجلس بالإساءة للثورة والثوار وقتلهم وقمعهم وإنتهاك حقوقهم وخطف واعتقال ما أمكن لتكميم أفواههم حتى يستطيع هولاء القتلة العيش في أمان، فرئيسه تلاحقه تهم إبادة في دارفور ونائبه يعرفه الكل ويعرف إنتهاكاته وجرمه وكيف إستطاع أن يصل الي هذا المنصب، ففقدان هذة المناصب مخاطرة بحياتهم، لذلك إبتكر هولاء العباقرة(..) تحويل مسار الثورة من السلمية التي أبهرت العالم الي المسار الذي يتقنه جنودهم وهو الحرب ضد أبناء جلدتهم دون غيرهم.
مقتل (تصفية) العميد علي بريمة هو محاولة لتحويل مسار هذة الثورة العظيمة وجعل القوات الأمنية تبطش دون رحمة وتصوير الثوار علي انهم خطر علي حياة كل القوات الأمنية وليس الطغمة العسكرية فقط، ويظهر ذلك في إنفعال أحد الجنود بعد أن أعلنوا مقتل العميد بريمة وهو يصف الثوار بأنهم متعاطي مخدرات وكأن الشعب السوداني لا يعرف أين ومن يبيع ويتعاطى المخدرات ببذلته المميزة، ولم يحدثنا هذا الجندي أين كان هو ومن معه عندما قتل قائدهم ولماذا لم يقم بحمايته ولماذا العميد بالتحديد الذي قتل ولم يكن احد من الجنود.
فهل حقا يعتقد هولاء أن يصدقهم الشعب السوداني والعالم في روايتهم تلك عن أن الثوار هم الذين قتلوه؟، الثوار أصحاب مقولة(نحن إخوانك يا بليد) عندما إنقلاب (تاتشر) أمن كان يقمعهم وتسابقوا ليسعفوا من سقط من العساكر، فهل هولاء الذين ينادون بالسلمية وهم يواحهون الرصاص سوف يقتلون ضابط شرطة؟، ألم يعلم مؤلف هذة المسرحية أن هذة الثورة هي ثورة وعي في المقام الأول وأن أساليب الاستغباء هذة لن تمر علي هولاء الشباب؟، السؤال الذي طرحه معظم الشعب السوداني كيف استطاعت الشرطة أن تعثر علي القاتل في أقل من24 ساعة ولم تسطيع أن تجد من قتل الثوار(إذا كنا نجهل حقا من الذي يقتل)؟ وكيف إستطاع واحد أن يقتل ضابط برتبة عميد مدجج بالسلاح ومعه قواته تحمل كل أنواع الاسلحة بما فيها البيضاء وتجاوز كل هولاء ليختار العميد ويسدد له عدد من الطعنات؟.
كما أن مؤلف هذة القصة لم يخبره أحد أن محاولة إحداث الشرخ بين عناصر الأمن والثوار هذة قد إستخدمت في أغلب الثورات في العالم، فدائما ما يذكر أن المتظاهرين قتلوا ضابطا في الامن حتى يخاف الجنود علي حياتهم وتزيد قوتهم في القمع، وإن لم يكن هذا هو المقصود لماذا هذا التركيز الإعلامي الكبير علي مقتل العميد دون بقية الشهداء فهل روح العميد تعادل روح 64 شابا وشابة في مقتبل العمر شهداء الوطن والواجب(دون مقابل) الذين خرجوا لبناء دولة تشبه أحلامهم الكبيرة.
واخيرا يجب أن يعلم الذين يعملون علي تشويه هذة الثورة أن القتل الذى بدأ قبل اربعة أعوام مهما بلغت ذروته لم يحول مسار السلمية الذي إتخذه هولاء الثوار ولن يحيدوا عنه بالإستفزاز وتلفيق تهم لهم، ولن ينجر الثوار الي التخريب الذي تصاعد في خطابات العسكر مؤخرا وعليه من المتوقع زرع مخربين ومتفلتين داخل المواكب القادمة حتى يتم تشوية السلمية بنجاح وهي السلاح الوحيد الذي يراهن عليه الثوار في الانتصار به.
ألا رحم الله الفقيد بريمة وكل شهداء الثورة السودانية المجيدة.