استقالة حمدوك: إن تأتي متأخرا.. خير لك من أن لا تأتي
بقلم: هبة زمراوي
– قد يستغرب البعض عن مشاعر الحزن التي خيمت على السودانيين بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، رغم مطالبة الكثيرين بها علنا، ولقد نعته الكثيرين أيضاً بأنه رجل حكيم ومهذب ولكنه في ذات الوقت ليس بشديد، يستطيع أن يمرر فترة انتقالية وهي من أصعب الحكومات كما ذكر سيادته.
فحمدوك الذي أتى للسلطة كشخصية قومية عليها توافق من القوى السياسية ومعظم مكونات الشعب عن طريق إتفاق سياسي وقعته قوى الحرية والتغيير مع المكون العسكري بعد مفاوضات عديدة ولكن أجهض المجلس العسكري هذة الاتفاقية عبر إنقلاب عسكري وحاول ان يشرعنه بوجود حمدوك كواجهة مدنية، وقد قالها البرهان صراحة عقب الانقلاب أنهم سيأتوا برئيس وزراء يعمل وفقه توجهاتهم.
عند تسليط الضوء على إنجازات حمدوك في فترة حكومته الانتقالية، نجده من أكثر الملفات نجاحا كان ملف العلاقات الخارجية، لدرجة تخيل لك إن كان حمدوك وزيرا للخارجية لكان عبر وانتصر فقد أوصل العلاقات الخارجية للضوء الذي في آخر النفق، فقد استطاع أن يرفع اسم من الدول راعية الإرهاب ويفك عزلة السودان الدولية التي استمرت لعقود، أما المجال الاقتصادي الذي كان يراهن عليه الشعب السوداني بالعبور به بواسطة حمدوك وذلك نسبة لتخصصه ومجال عمله، فلم يكن بالقدر المطلوب إن لم يكن معدوما، وهو من أكثر الملفات التي تعمل على إثارة الرأي ضد الحكومة لارتباطه بمعاش الناس، أما الجانب الأمني الذي لا يقل أهمية من الاقتصادي وملف العلاقات الخارجية فقد كان خارج يد حكومة السيد حمدوك منذ توقيع الوثيقة، التي ضمته إلى المجلس العسكري، فقد كانت الوثيقة الدستورية مجحفة ومقيدة للمكون المدني ولم يستطيع حمدوك من إستغلال الفرص جيدا ومع ترضيات من تسلقوا علي اكتاف الثورة من سياسيين وقوات مسلحة فلم يستطيع أن يتجاوز هذة الاتفاقية أو العمل وفق بندوها التي يقررها حمدوك لمصلحة الشعب وليس وفقا لمصلحة الاحزاب او الحركات المسلحة او القوات الأمنية الحكومية، كما أنه لم يستطيع العمل علي توافق المكون العسكري والمكون المدني الامر الذي جعله يقدم استقالته مؤخرا.
لقد أحب السودانيين السيد حمدوك وكان رمزا لثورتهم، ولكن عندما وقع حمدوك مع المجلس العسكري إتفاق عقب انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر، غلب حب الوطن والثورة لحبه فتجاوزه الشارع معلنا أنه قد شرعن إنقلاب عسكري ظالم قتل ما يزيد عن ال60 شاب وشابة من خيرة شباب الثورة وألآف المصابيين خلال شهرين فقط، وكان واضحا أن عودة حمدوك كانت صورية فقط من أجل الحفاظ علي الدعم الخارجي ولم يستطيع حمدوك أن يتخذ قرار حازما بشأن سفك الدماء والبطش الشديد في الشوارع من قبل القوات الأمنية.
استقالة حمدوك وإن تأخرت هي عودة الي رحم الشارع الذي أتى به، وتصحيح مسار له في شخصه والمحافظة علي مكتسباته الشخصية المتبقية من حب واحترام الشعب له، فقد يقدره البعض أنه فشل فطالب بإستقالته وتنحيه جانبا ووصفوه بأنه ضعيف لا يقوى علي مكانة رئيس وزراء موكلة له مجابهة نظام سابق فاسد وقاتل ومتمكن في عصب الدولة، والبعض الآخر يقدر بأنه نجح ولو كان جزئياً ولكنه أيضا صفق بالاستقالة كترحيب به في صفوف المناضلين وحتى لا يكون عائق أمام مطالبة الشارع في الحكم المدني الكامل حيث أن وجوده في سدة الحكم يحاول أن يبرر بها المجلس العسكري وجود شق مدني يمثل الثورة والثوار، ولا ننسى أن هناك من زعل علي إستقالة حمدوك حيث كانوا يرون فيه المخرج الوحيد للأزمة مبررين إتفاقه مع البرهان ورائه مصلحة للشعب وأنه تحمل وزر التخوين من أجل هذة المصلحة، وهم نفسهم الذين يتخوفون من الغد وما يمكن أن تفعله الطغمة العسكرية متناسيين أن الثورة لم تبدأ بحمدوك وأن الشعب هو من أختاره ممثلا له، كذلك سفك الدماء لم يحقن طول عهده ولم يوقف البطش، إذا لا اعتقد ان إستقالته يمكن أن تكون سببا في سفك المزيد من الدماء.
عوداً حميداً