السودان بعيون ألمانية : يفترض بالحرارة ان تحميهم من كورونا!

اندريه بوم، مراسلة شئون الشرق الأوسط لجريدة دايزيت الألمانية الاسبوعية التي تصدر في مدينة هامبورغ تكتب عن انطباعاتها بعد عودتها من زيارة قصيرة للسودان، وفيما يلي يرفق موقع (اوبن سودان) ترجمة للمقال:

بعد مرور عام على الثورة ، لا يزال شعب السودان يقاتل من أجل تكوين هياكل سلطة مستقرة. كيف يستعد لوباء كورونا؟ هذه انطباعاتي من الخرطوم
قبل أربعة أيام من حالة الوفاة الأولى ، يقف رجل يرتدي معطفا أبيض اللون في مطار الخرطوم منتظرا فيروس كورونا . “لحظة واحدة ، أرجوك” ، يقول لكل راكب يخرج من الطائرة موجهاً ميزان الحرارة أمام وجهه. درجة حرارتي طبيعية، يبتسم، ويسلمني نشرة مطبوعة فيها تدابير النظافة ضد كورونا قائلا “أهلا بكم في السودان”.
وبعد عشرة أيام من البحث قضيتها في هذا البلد ، كانت هذه هي فقط الخطة لمواجهة كورونا.
كنت اكتشف مقدار روح التفاؤل التي بقيت بعد أن أطاح الشعب السوداني بالديكتاتور الطويل الأجل عمر البشير في أبريل الماضي باحتجاجات جماهيرية سلمية. كنت اكتشف كيف يستعد بلد هش، يعاني من ثلاث أزمات على الأقل في أي وقت من الأوقات، لوباء عالمي كبير.
في أول جولة لي عبر الخرطوم، في السادسة مساءً ، انخفضت درجة الحرارة من 42 إلى 36 درجة خلال النهار. حرارة الصيف في مارس لم تكن كذلك من قبل. يجلس الرجال والنساء في الشوارع في اماكن تناول الشاي المرتجلة ، ويتناقشون في السياسة ، وأسعار الخبز ، والتفجير الذي حدث في ذلك الصباح والذي نجا منه رئيس الوزراء الجديد عبد الله حمدوك.
لم تكن مثل هذه المناقشات العلنية ممكنة هنا من قبل. من كان وراء محاولات التفجير؟ ضباط المخابرات المطرودون؟ السعوديون؟ الامريكان؟ كانت المناقشات حية، ونظريات المؤامرة حاضرة.
وبين الفينة والاخرى كان ينهض شخص ما ليبحث عن سيارته وسط طابور طويل من السيارات التي ترتص امام محطات الوقود. كان هناك نقص حاد في الوقود في جميع انحاء البلد لعدة ايام، وللحصول على بضع لترات من الوقود كان عليك قضاء الليل بأكمله في سيارتك امام محطة الوقود او في مكان شرب الشاي في الهواء الطلق.
نقص البنزين ، والتضخم ، وازمة الخبز المدعوم كان هذا ما يحرك سكان الخرطوم هذا المساء و ليس فيروس كورونا. وقال وزير الصحة في منتصف الأسبوع الماضي ان السودان لا يزال خاليا من الوباء.
ربما كان بيان وزير الصحة جريئا بالنظر لنظام الرعاية الصحة المتعثر وحركة التبادل التجاري الحيوية مع الصين. لكن الحقيقة ان الخرطوم كانت قد وضعت بالفعل فحوصات طبية في المطارات والمراكز الحدودية وكذلك غرفا للحجر الصحي منذ نهاية شهر يناير، وهو الوقت الذي كانت فيه ألمانيا تعتبر فايروس كورونا مجرد مشكلة خاصة بالصين.
وقد تعاملت الدول الأفريقية الأخرى بنفس السرعة. و تم بالفعل إنشاء نظم الإنذار المبكر وتدريب العاملين على الأوبئة، وأتى هذا نتيجة دروس تم تعلمها من تفشي الإيبولا في السنوات الأخيرة واخرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية الذي تم احتواؤه.
و في نهاية فبراير ، شخصت نيجيريا أول اصابة بكورونا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لشخص إيطالي من مدينة ميلانو
الأرقام في أفريقيا لا تزال منخفضة بشكل مدهش :
تم الإبلاغ عن حالات اصابة بفيروس كورونا في أماكن أخرى من القارة ، لكن الأرقام في أفريقيا لا تزال منخفضة بشكل مدهش.
والسرعة التي يمكن ان يتغير بها هذا الوضع يمكن رؤيتها حاليا في اوروبا، ولكن ماذا بعد؟
تقول لينا كفيل ، (سنتورط). والتقيت بلينا ذات الــ35 عاما في مكتب منظمة شباب السودان لتغير المناخ، وعندما لا تعمل لينا كمراقب جودة في احدى شركات الاغذية، او لا تكون في طابور ما، فانها تقوم هي وزملائها بزراعة الأشجار في شوارع الخرطوم ومساعدة سكان الأحياء الفقيرة على الاستعداد للفيضان التالي . يأتون في موسم الامطار الذي توقف منذ فترة، ولكن، نظام الصرف الصحي المتدفق يؤدي الى انتشار الكوليرا. وتوصي لينا بغسل اليدين، وغلي الماء، وبناء مراحيض افضل، وهي النصائح التي يمكن أن تساعد أيضًا ضد كورونا.
سألت عن ما إذا كانت منظمة لينا ستنظم أيضًا تظاهرات أيام الجمعة، فردت هي بابتسامة: “حبيبتي ، لقد تظاهرنا هنا لأكثر من عام من أجل مستقبلنا. ليس يوم الجمعة فقط”. إنها متعبة بشكل مزمن مثل الكثيرين هنا، لكنها لا تزال تستمد قوتها من هذه الثورة ، التي تظاهر فيها مئات الآلاف في جميع أنحاء البلاد بسلمية ليلًا ونهارًا – على الرغم من إطلاق النار عليهم مرارًا وتكرارًا. يبدو الآخرون في المنظمة الآن أكثر إحباطًا.
تولت الحكومة المؤقتة الجديدة زمام الامور في الدولة المنهوبة. اختفت مليارات الدولارات من صادرات النفط والذهب في حسابات نخبة صغيرة ، والبلاد مثقلة بالديون ، ومحافظات الضواحي فقيرة تمامًا. البشير في السجن الآن ، ولكن كان على المحتجين أن يقاوموا جنرالاته وأمراء الحرب الاخرين.
لم ير احد ثمرة الثورة حتى الآن . بل على العكس: البلد في حالة انهيار ، ولم يعد لدى وزير المالية أي عملة أجنبية لدفع ثمن البضائع في السوق العالمية: الوقود والأدوية وقطع الغيار. واصبح انقطاع التيار الكهربائي لمدة ست ساعات أمرا طبيعيا.
تقول لينا: “عندما تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة في الصيف ، سنتجاهلها” وترسم على وجهها تعبير مثل سمكة تلهث في الهواء مضيفة: “لدينا استعداد وراثي لاستراتيجيات البقاء”. ويجلس بجانبها محسن أحمد ، 24 سنة ، الذي نجا من الحرب في دارفور عندما كان طفلاً ويدرس الآن الزراعة في الخرطوم.
هل هذا هو السبب الذي يجعلهم لا يخشون من وباء كورونا؟ يعتقدون أن الحرارة ستحميهم بالاضافة الى شبابيتهم. “من الواضح أن كبار السن هم الذين يموتون بسبب الفيروس – ومتوسط العمر المتوقع لدينا ليس مرتفعًا على أي حال.” 65 عامًا ، وفقًا للبنك الدولي. بينما يبلغ متوسط العمر في ألمانيا 80 عامًا.
من المشكوك فيه الآن أن فيروس كورونا لا يحب الحرارة. ولا يعتمد معدل الوفيات على عمر المصابين فحسب ، بل يعتمد أيضًا على حالة المستشفيات وهي غالبا ما تكون بائسة في السودان.
في الخارج ، كانت السماء لا تزال صفراء. اجتاحت عاصفة رملية المدينة وغطت كل شيء بطبقة من الغبار. أقنعة الوجه هي شيء يومي هنا ، ولكن أمراض الجهاز التنفسي لا تزال شائعة. حتى مع صغار السن.
إنه يومي الثالث في الخرطوم وكورونا تقترب. الجارة الشمالية مصر لديها الآن عشرات الحالات. واليوناميد ، بعثة الأمم المتحدة في دارفور ، تحلّق بجزء من إمداداتها عبر مصر. ماذا لو انتشر الفيروس في أحد مخيمات اللاجئين؟
“الوباء كارثة مطلقة”
يبلغ عدد سكان البلاد 40 مليون نسمة ويعتمد تسعة ملايين على المساعدات الإنسانية. معظمهم لا يعيشون في العاصمة ، ولكن في محيط البلاد الفقير ، في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، حيث تستمر التمردات المسلحة. أو في دارفور ، حيث أفسحت الحرب الأهلية المدمرة في التسعينات الطريق لهدوء هش وقمعي. يعيش 1.6 مليون نازح في المخيمات ، معظمهم لمدة عشر أو خمس عشرة سنة. لا يستطيع الكثيرون العودة إلى قراهم لأن التصحر التدريجي الناجم عن تغير المناخ جعل مناطقهم غير صالحة للاستعمال
عادة ما تأتي الأزمات الإنسانية في السودان مجتمعة، ولأنها مستمرة منذ فترة طويلة ، بالكاد يلاحظها العالم الخارجي.
قول عبد الله فاضل: “يعاني عدد أكبر من الأطفال من سوء التغذية هنا ولا يمكنهم الوصول إلى المدارس أكثر من سوريا ولكن لا أحد يعرف ذلك.” وعبد الله مواطن كندي ، نشأ في مقديشو ، وعائلته من اليمن والصومال ، ويعرف الدول التي تعاني من الأزمات بحكم أصله، ومنذ عام 2016 ، يقود منظمة مساعدة الأطفال التابعة لليونيسف في السودان ، وينظم حملات التطعيم ، وتوزيع المواد المدرسية والتوعية ضد زواج القاصرين.
يقول عبد الله : “لقد راقبت ثورة 2019 بمزيج من الحماس والإعجاب” ، وهو لغز بالنسبة له : لماذا لا يحاول أحد الآن تحقيق الاستقرار في البلاد وحكومتها المؤقتة الهشة. “وكأن المجتمع الدولي لم يعد يهتم بالسودان”. على الرغم من الحركة الديمقراطية وسقوط الدكتاتورية ، لا يزال السودان على القائمة الأمريكية للدول الراعية الإرهاب ، مما يجعل المفاوضات بشأن تخفيف الديون ومساعدة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي شبه مستحيلة. حتى في زمن الكورونا . “يفعل السودانيون ما بوسعهم ضد كورونا. لكن النظام الصحي ليس لديه موارد. لا يوجد نقد أجنبي لشراء المعدات الطبية. سيكون الوباء كارثة مطلقة.”
بعد ذلك بيوم ، أفادت وزارة الصحة السودانية عن وفاة أول شخص اصيب بكورونا ، وهو سوداني يبلغ من العمر 50 عامًا ، ربما أصيب بالعدوى في رحلة إلى الإمارات العربية المتحدة. كان الرجل وأسرته يقودون سياراتهم من مستشفى إلى آخر في الخرطوم لعدة أيام دون أن يتمكن أي شخص من تشخيص أعراضهم.
تقوم الحكومة بإغلاق المعابر الحدودية إلى مصر ، وتقييد الحركة الجوية بشكل كبير ودخول الأجانب. من بين أمور أخرى ، لم يعد يُسمح للإيطاليين والفرنسيين بدخول البلاد. وأغلقت دول مثل غانا وكينيا بالفعل حدودها للأجانب ، وطردت موريتانيا وتونس عشرات السائحين الإيطاليين ، ووضع الكونغو الألمان والفرنسيين والإيطاليين في الحجر الصحي.
أقطع رحلتي ، واستقل واحدة من آخر الرحلات الجوية خارج البلاد – وعندما أصل إلى برلين ، أتفاجأ بأن لا أحد يريد قياس درجة حرارتي ، أو يشرح لي عن كورونا، أو على الأقل يعرف أين كنت.
ويوم الاحد الماضي ، في اليوم الذي عدت فيه ، أمرت الحكومة السودانية بإغلاق الجامعات والمدارس لمدة شهر، وحظرت الأحداث الرياضية وحفلات الزفاف والتجمعات. إن الجيش ، الذي تظاهر السودانيون ضده لفترة طويلة ، هو الذي سيطبق هذه الإجراءات.
وفي الأسواق ، ارتفعت أسعار أقنعة الوجه والفواكه الغنية بفيتامين سي بشكل كبير.
بعد ذلك بوقت قصير ، أعلنت الحكومة حالة طوارئ طبية ، وأغلقت جميع الحدود وأوقفت جميع رحلات الركاب. أستخدمت تطيبق واتساب لأسأل الأشخاص في منظمة شباب السودان لتغير المناخ عن الوضع. الجواب: “نحن بخير”. تستمر الحياة.
لا يزال لايوجد هناك أي وقود تقريبًا ، ولا تزال الحكومة لا تملك عملة أجنبية ، ومعدل التضخم 70 في المائة ، والناس يصطفون أيضًا أمام المخابز.
اخبرتني لينا عندما التقينا: “إذا جاز لي أن أسدي المشورة إلى الأوروبيين ، فساقول لهم : لا داعي للذعر! فالذعر سيء حقاً”.