حكومة السودان الانتقالية (الانتهازية)!

مقال بقلم: هبة زمراوى

عندما أتت حكومة الفترة الانتقالية استبشر أهل السودان بها خيراً، حيث إنها كانت قد أنهت ثلاث عقود من الظلم والاستبداد وعسكرة الدولة وتسلط أجهزتها الأمنية التي ذاقت مرها لأغلبية أهل السودان، احتفلت جموع الشعب السوداني وأحتفل معهم أهالي الشهداء والجرحى والمفقودين بداية من 1989م الي2019م، متأملين في عودة الحق ودمل جراحهم، وامتثالا لقول جان جاك روسو (أعطيني قليلاً من الشرفاء المثقفين.. وسأحطم لك جيشاً من اللصوص والفاسدين).

تفاءل السودانيين بالذين يمثلون الشق المدني في الحكومة وربما أعتقد البعض أن هؤلاء المدنيون المغلوبون على أمرهم قادرين على تحطيم جيش اللصوص والفاسدين وقد يصل الأمر إلى حل المليشيات واسترجاع أراضي السودان المحتلة والذهب الذي تستورده إحدى الدول العربية بحكم دعمها لقائد مليشيات النهب المسلح التي جابت السودان طولا وعرضا تقتل وتسلب وتنهب دون حسيب أو رقيب، والتي تركها النظام البائد ضمن ما ترك من فساد وظلم ومحسوبية وفتن وجعل لها اليد العلي لدرجة اعتقد زعيمها أنها شرعية وأنه حامي للبلاد والعباد (وربما يذكر في خطابه القادم أنه اخرج الإنجليز من السودان ورسم خارطته)، ومن العجائب والطرائف أنه يتحدث عن الديمقراطية (وربما لا يفقه معناها) وعن أخذ الحق والأمن وأطفال السودان يعرفون حقيقة أكذوبته قبل الكبار.

حكومة ثورة ديسمبر المجيدة تلك الثورة السلمية التي احتفى بها العالم أجمع، الحكومة وهي تكمل عامها الثاني لم تستطيع تخفيف العبء الاقتصادي على كاهل المواطن ولا تحقيق شعارات الثورة من حرية سلام وعدالة، فما زالت الأفواه تكمم والثوار يغتالون وبعض الحركات لم توقع على اتفاقات السلام (تقاسم المناصب)، ولم يأخذ أهالي الحق بحقهم وليس هناك عدالة توزيعية للثورة والسلطة، حكومة انتقالية يتحكم فيها الشق العسكري على مجريات الأمور وشق مدني يستقبل المنح والهبات من الدول ورئيس وزراء يختزل  عمله في الدبلوماسية الرئاسية، ووزيرة خارجية ليس لها عمل سوى نقل موقف السودان حول سد النهضة لدول العالم كل على حدي، ووزراء يحتفلون بماكينة تصوير أهديت للوزارة على أنها مشروع استثماري ضخم يمكنه أن ينقذ السودان بل وأفريقيا من الفقر، وزارة  تبعث فيها مكانة تصوير روح الإصلاح هل تستطيع أن تجذب مستثمرين للسودان؟

احتفال الوزير بالماكنة يرجع بالذاكرة لعهد النظام البائد عندما احتفل محمد عثمان كبر  لتعينه نائب للرئيس وصوره التي انتشرت في الأسافير واضعا الهلال كعريس في ليلة الحنة وغيره كثر ممن كانوا يحتلفون بتوليهم للمناصب في الدولة في العهد السابق الذي أعتقد السودانيين أنه ولى بكل قبحه، متناسين أن الأحزاب المكونة للحكومة الانتقالية هي نفسها التي كانت تحاور نظام الإنقاذ في العام 2015م وتقاسمت بعض الأحزاب الحقب الوزارية مع حزب المؤتمر الوطني، هذا غيض من فيض من إنجازات (إخفاقات) الحكومة الانتقالية التي علق الشعب السوداني بها أمله في عبور النفق المظلم، دون الحديث عن الأمور الأكثر غرابة التي تمر دون تحقيق ومحاسبة (تنصيب أركو مناوي وشيكات أردول نموذجاً).

وينطبق على هذه المرحلة من حكم السودان وصف الشاعر الراحل محمد الحسن سالم (حميد)، في قصيدته (عم عبد الرحيم) حين قال:

حكومات تجي وحكومات تغور

تحكم بالحجى بالدجل الكجور….