“تايلندي أسمر” : قصة شاب أتاح التجارة الإلكترونية لآلاف السودانيين رغم الحظر!

كان يوماً سعيداً لمحمد، ذو العشرين عاماً. ففي هذا اليوم استلم أول دفعة مالية من عمله كمصمم غرافيك من عميل في المملكة العربية السعودية. يعيش محمد في العاصمة الخرطوم ويعمل ككثير من المصممين الهواة والمحترفين حول العالم عبر الإنترنت “أونلاين”: يقومون بتصميم المطبوعات وأعمال الغرافيك المختلفة من أجهزة الكمبيوتر في منازلهم ، ويرسلونها للعملاء عبر العالم ثم يقبضون أتعابهم عبر تحويلات مباشرة تصل إلى حساباتهم البنكية.
يمتاز محمد بالموهبة والسرعة، وتحوز تصميماته على إعجاب الشركات والعملاء في دول كثيرة حين تجدها في المنصات المتخصصة للتصميم، لكن كانت تواجهه مشكلة واحدة: هو يعيش في السودان، الذي كان واقعاً تحت الحظر الأمريكي، ولا يمكنه استقبال التحويلات المالية مباشرة. وجد محمد طريقاً لحل مشكلته، عبر خدمة جديدة بدأت في الانتشار في ذلك الوقت، كان يقف خلفها مهندس سوداني يدعى عبد الرشيد ليلا، يعرف عبر الإنترنت بلقبه “تايلندي أسمر.”
درس عبد الرشيد الهندسة في الجامعات السودانية، لكنه كان مهتما بالكمبيوتر والبرمجة والتطبيقات، وسرعان ما أدرك أن الفرص متاحة للسودانيين لمنافسة غيرهم عبر الإنترنت في مجالات البرمجة، والتصميم، والمحاضرات، والخدمات الإلكترونية المختلفة، إذا ما وجدوا طريقاً لتلقي الدفعات المالية مقابل خدماتهم التي يقدمونها للعملاء في مختلف دول العالم.

عبد الرشيد ليلا

أنشأ عبد الرشيد خدمته عبر الإنترنت، وكان يعمل كوسيط بين من يريدون دفع أو سحب الأموال عبر الإنترنت، وبين الشركات والجهات خارج السودان. وسرعان ما استقطبت خدمة “تايلندي أسمر” أعداداً كبيرة من الشباب الموهوبين الذين كانت لهم مشاريعهم الطموحة، لكنها محاصرة بالعزلة المالية والإلكترونية التي فرضت على السودان آنذاك.
يقول عبد الرشيد لـ”اوبن سودان” ان عشرات الآلاف استفادوا من حلول الدفع السهلة التي قدمها عبر خدمة “أسمراني التقنية” التي تأسست في 2012 وتحولت مؤخراً إلى “قرين باي GreenPay”، منهم طلاب دفعوا رسوم الكورسات والجامعات عبر الإنترنت، ومبرمجين تمكنوا من تسويق تطبيقاتهم ووضعها في متاجر “غووغل وأبل”، ومصممي مواقع استطاعوا حجز الخدمات الإلكترونية وغيرهم.
ويشير عبد الرشيد إلى تقديمهم خدمة سحب الأموال للسودانيين من مقدمي خدمات الترجمة والبرمجة والتصميم وغيرها عبر مواقع العمل الحر في الإنترنت مثل “ابوورك” و”مستقل” وغيرها، مما شكل مصدرا للدخل لآلاف الشباب الذين عملوا من منازلهم، وحققوا أربحا بالعملة الصعبة، أُرسلت عن طريقة خدمة “تايلندي أسمر” إلى حساباتهم البنكية في السودان.
وتم تسجيل “أسمراني التقنية” و”قرين باي” رسمياً لدى الجهات المختصة في السودان، وتقدم خدمة “الحافظة الافتراضية” التي تتيح لعملائها إنشاء الفواتير والسداد وتحويل الدفعات إلى حساباتهم في البنوك السودانية بطريقة آلية تماما، دون تدخل يدوي، مما سهل العمل عبر الإنترنت من داخل السودان.
ويقول “عبد الرشيد” إن الخدمة التي تقدمها “قرين باي” ليست خدمة تحويلات مالية، لكنها خدمة دفع وسداد، تعود بالفائدة الكبيرة على الاقتصاد السوداني، حيث تجلب العملات الأجنبية، وتعيد الخدمة تدوير الأموال التي يتم سدادها لها، فتدفع فواتير زبائن آخرين لخدمات خارج السودان.
ورغم رفع العقوبات الأمريكية عن السودان مؤخراً إلا أن الخدمات الإلكترونية وبطاقات الائتمان العالمية مثل فيزا وماستركارد لم تعمل بصورة كاملة في السودان بعد، ويشكو عبد الرشيد من أهم الصعوبات التي تواجههم، وهي عدم اعتماد البنوك السودانية لنظام دفع آلي تلقائي API   يتيح التعامل بطريقة آلية، مما يمنع الاستفادة من الأنظمة المصرفية عبر الإنترنت لإنشاء متاجر إلكترونية سودانية، وقبول الدفعات مباشرة عبر البطاقات البنكية والتطبيقات في المواقع، وهو الأمر الذي يحتاج فقط لرؤية واضحة، وقرارات مصرفية تنظيمية، مع توفر القاعدة التقنية اللازمة لتفعيله بالفعل. ويمكن لمثل هذا النوع من الخدمات أن يجلب العملة الصعبة للبنوك، بدلا عن البداية بخدمات الفيزا التي تتيح الدفع فقط، بالإضافة لفائدته الكبيرة بتسهيل الكثير من الأنشطة التجارية وجعلها إلكترونية بالكامل.
قدمت خدمات “تايلندي أسمر” الفرصة لبعض المدربين السودانيين لتقديم محاضراتهم المتخصصة للجمهور حول العالم، مع تلقي رسومهم المالية عبر الإنترنت، مما خلق سوقاً مفتوحاً لهذه الفئة، كما أتاحت أيضاً استقبال التبرعات “أونلاين” لبعض المنظمات والأعمال الخيرية، وغيرها من المساهمات.
يقول “عبد الرشيد” أن هدف الخدمة الأساسي هو “نشر ثقافة العمل الحر في السودان”، وهو نوع من العمل ظهرت أهميته مؤخراً  وأكتسب شعبية خلال أزمة كورونا، حيث اتجه ملايين الناس حول العالم للعمل من منازلهم .
تبدو فكرة العمل الحر مألوفة لمحمد، مصمم الغرافيك، الذي أتينا على ذكره في أول هذه المقالة، ويقول إنه اكتسب بالفعل عشرات العملاء الموزعين على بلدان عديدة خلال سنوات عمله على الإنترنت،  ويشعر بالامتنان لخدمة سحب الأموال التي قدمها “تايلندي أسمر”، ويقول ضاحكا : أنا مغترب داخل السودان، أعمل من منزلي، وأقبض أجري “بالدولار”!




لا تنسخ! شارك الرابط بدلا عن ذلك