أشهر الأوبئة التي غيّرت مسار التاريخ البشري

ترجمة: قيس الصديق
ابتداءً من الموت الأسود إلى فيروس نقص المناعة البشرية “الأيدز” إلى فيروس “كوفيد 19″، أصابت الأوبئة الحضارات الإنسانية طوال تاريخ البشرية الممتد.
وابتليت الإنسانية منذ عصورها الأولى بالأمراض والعِلل. بيد إنه لم يتزايد نطاق هذه الأمراض وانتشارها بدرجة كبيرة حتى حدوث التحول الملحوظ إلى المجتمعات الزراعية.
إذ أوجدت التجارة التي انتشرت على نطاق واسع فرصاً جديدة للتفاعلات بين البشر والحيوانات، وهو ما عجّل بظهور مثل هذه الأوبئة. حيث ظهرت أمراض مثل الملاريا والسل والجذام والأنفلونزا والجدري وغيرها لأول مرة خلال هذه السنوات الأولى من عمر المجتمعات الزراعية.
ويشهد تاريخ البشرية على أنه كلما ازدادت البشرية تحضّراً؛ بإنشائها مدناً أكبر حجماً، واستحداثها للمزيد من المسارات التجارية بين البلدان، وزيادة التواصل بين مختلف السكان وشتى أنواع الحيوانات والنُّظم البيئية المتنوعة، ظهرت الأوبئة وازدادت وتيرة انتشارها.
وفيما يلي بعض أشهر الأوبئة الرئيسة التي اجتاحت العالم على مرّ تاريخه:
الموت الأسود (1346م – 1353م)
عدد القتلى: 75 – 200 مليون شخص
دمّر تفشي مرض الموت الأسود، الذي يُعرف أيضاً باسم الطاعون الأسود، من عام 1346م إلى عام 1353م، أوروبا وأفريقيا وآسيا، حيث قُدّر عدد القتلى بين 75 مليون و200 مليون شخص. ويُعتقد أن منشأ الطاعون كان في قارة آسيا، وانتقل منها على الأرجح إلى القارات الأخرى عبر البراغيث التي تعيش على الجرذان التي كثيراً ما كانت تعيش على متن السفن التجارية. وحيث إن الموانئ البحرية كانت مراكز حضرية رئيسة في ذلك الوقت، فقد كانت تمثل بيئة مثالية لتكاثر الجرذان والبراغيث، وهو ما ساعد على نمو البكتيريا الخبيثة وتكاثرها، مدمرةً ثلاث قارات إثر تفشّيها.
وكانت ثلاثة أوبئة من أكثر الأوبئة فتكاً في التاريخ البشري المسجل ناتجة عن نوع واحد من أنواع البكتيريا، يسمى “يرسينيا الطاعونية” (Yersinia pestis)، وهي عدوى قاتلة تعرف باسم الطاعون.
ووصلت بكتيريا يرسينيا إلى القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في عام 541 بعد الميلاد. وانتقلت إليها عبر البحر الأبيض المتوسط من مصر، التي كان قد غزاها قبل وقت قصير الإمبراطور الروماني جستينيان الأول، وكانت مصر تدفع له الجزية في شكل حبوب زراعية. حيث إن البراغيث الحاملة للطاعون كانت توضع على الفئران السوداء التي أكلت من الحبوب المنقولة على السفن. وأهلك الطاعون مدينة القسطنطينية وانتشر انتشار النار في الهشيم في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا والجزيرة العربية، ما أسفر عن مقتل ما يقدّر بنحو 30 مليون إلى 50 مليون شخص، وهو ما كان يشكل – في ذلك الوقت – نصف سكان العالم تقريباً.
وضربَ الموت الأسود، أوروبا مرة أخرى في عام 1347م في وباءٍ كارثي راح ضحيته 200 مليون شخص في أربع سنوات فقط.
ولم تلتقط مدينة لندن بعد هذا أنفاسها قط؛ إذ كان الطاعون يظهر مجدداً كل 20 عاماً بمعدل 40 حالة تفشٍّ طوال الفترة من عام 1348م إلى 1665م، أي على مدار 300 عام. ومع كل وباء جديد، كان الطاعون يقتل 20 في المائة من الرجال والنساء والأطفال الذين يعيشون في العاصمة البريطانية.
وكان “الطاعون الكبير” (Great Plague) الذي تفشى عام 1665م هو آخر وأسوأ تفشٍّ للمرض منذ قرون، وأسفر عن مقتل 100 ألف من سكان لندن في سبعة أشهر فقط.
جائحة الإنفلونزا (1918م)
عدد القتلى: 20 – 50 مليون
بين عامي 1918 و1920، اجتاح تفشي مرض الإنفلونزا الفتاك جميع أنحاء العالم، وأصاب أكثر من ثلث سكان العالم وأنهى حياة 20 مليون إلى 50 مليون شخص. ومن بين 500 مليون شخص مصاب في جائحة عام 1918، قُدّر معدل الوفيات بنسبة 10% إلى 20% من المصابين، مع ما يصل إلى 25 مليون حالة وفاة في الأسابيع الـ 25 الأولى وحدها. وكان ما ميّز جائحة إنفلونزا عام 1918 عن سواها من حالات الإنفلونزا الأخرى هو نوع الضحايا. إذ كانت حالات الإنفلونزا الأخرى في السابق تقتل الصغار اليافعين وكبار السن أو المرضى الضعفاء في الأساس، لكن جائحة إنفلونزا عام 1918 كانت تصيب الشباب الأصحاء تماماً، بينما لم تكن تصيب الأطفال أو الأشخاص الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي.
فيروس نقص المناعة البشرية “الأيدز”
حصيلة القتلى: 36 مليون
جرى التعرّف على فيروس نقص المناعة البشرية “الأيدز” أول مرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1976، وقد أثبت بالفعل أنه جائحة عالمية، حيث قتل أكثر من 36 مليون شخص منذ عام 1981. ويوجد حالياً ما بين 31 مليون إلى 35 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، يسكن الغالبية العظمى منهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث إن ما يقدّر بـ 5% من سكان هذه المنطقة – أي ما يقرب من 21 مليون شخص – مصابون بالمرض. ومع تزايد الوعي بهذا الفيروس، أستُحدثت علاجات جديدة تجعل من الممكن التعامل مع الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية بشكل أفضل إلى حد كبير، ويواصل العديد من المصابين بفيروس نقص المناعة حياتهم العملية على نحو طبيعي. وبين عامي 2005 و2012، انخفض معدل الوفيات العالمية السنوية بسبب فيروس نقص المناعة البشرية من 2.2 مليون شخص إلى 1.6 مليون شخص.
الإنفلونزا الآسيوية (1956-195)
عدد القتلى: 2 مليون
كانت الإنفلونزا الآسيوية تفشياً وبائياً لإنفلونزا H2N2، وهي أحد أنماط فيروس “إنفلونزا أ” ( Influenza A). وظهرت في الصين في عام 1956 واستمرت حتى عام 1958. وفي فترتها التي امتدت لعامين، انتقلت الإنفلونزا الآسيوية من مقاطعة قويتشو الصينية إلى سنغافورة وهونغ كونغ والولايات المتحدة. وتختلف تقديرات عدد القتلى للإنفلونزا الآسيوية حسب المصدر، لكن منظمة الصحة العالمية تقدّر العدد النهائي بحوالي 2 مليون حالة وفاة، 69,800 منها حدثت في الولايات المتحدة وحدها.
إنفلونزا هونغ كونغ (1968)
عدد القتلى: مليون شخص
نجمَ وباء الإنفلونزا هذا من سلالة فيروسات الإنفلونزا H3N2، ويُشار إليها أحياناً باسم “إنفلونزا هونغ كونغ”. وكانت أول حالة أبلِغ عنها في 13 يوليو 1968 في هونغ كونغ، ولم يستغرق الأمر سوى 17 يوماً فقط قبل أن يتفشي الفيروس في سنغافورة وفيتنام، وفي غضون ثلاثة أشهر انتشر إلى الفلبين والهند وأستراليا وأوروبا والولايات المتحدة. وفي حين أن معدل الوفيات الناتج عن جائحة عام 1968 كان منخفضاً نسبياً (بلغ 0.5%)، إلا أنها أسفرت عن وفاة أكثر من مليون شخص، بما في ذلك 500 ألف من سكان هونغ كونغ، أي ما يقرب من 15% من سكانها في ذلك الوقت.
(إضافة):
بينما قد تبدو أرقام حالات الوفاة الناجمة عن فيروس “كوفيد 19″، حتى الآن، ضئيلة مقارنة بأشهر الأوبئة التي اجتاحت البشرية على امتداد تاريخها الطويل، إلا أن معدل انتشار فيروس “كوفيد 19” يبدو هائلاً ومثيراً للقلق، وتشير بعض المصادر البحثية والطبية إلى هذه الجائحة لم تصل إلى ذروتها بعد، ما قد يُنذر سكان العالم بأيام عصيبة.
__
المصدر:
http://englishnews.thegoan.net/story.php?id=57629