إعادة جبريل للمالية.. الثبات على الأجندة الوطنية

بقلم/عمار الكاظم

لم يكن القلق الذى انتاب الرأى العام عقب حل الحكومة بواسطة رئيس الوزراء حول ابعاد الدكتور من موقعه هو الشاغل باعتبار ان التدوير من سمات العمل التنفيذى غير ان الاجواء التى صاحبت هذه التسريبات المستندة على بعض موجات التلاوم التى جرت بين كابينة القيادة العليا ما قبل تعرض بورتسودان لهجمات عسكرية،رسخ شعور عام بالقلق البالغ فبالنظر للحاجة الماسة لنموذج التماسك و التناصر الذى حدث عقب الحرب بين حركات الكفاح والجيش وعموم الشعب،فان اى محاولة لزرع الشقاق الوطنى في هذا الظرف الوطنى المفصلي تحتم على كل متابع وطنى حصيف ان ينظر لها كأجندة عليا للفئة المتمردة وهذا حقها ومن الطبيعى ان تعمل عليه،ولكن الامر الذى اصاب الراي العام بالدوار الوطنى،من هي تلك الجهة المتمكنةوالملتصقة بكابينة القيادة التى سعت لتنفذ اجندة الاعداء جملة واحدة من داخل الدائرة الوثقى لتمظهر الالتحام الوطنى الغير مسبوق،فقد تم صناعة مناخ مرسخ للإحباط الوطنى عبر تسريبات اعلامية مرعية وظل مسربي هذه الدعايات السوداء أحرار بعيدين عن اجهزة المساءلة والملاحقة القانونية بمظلة حماية من ذات الجهات التى عملت على احداث الشقاق الوطنى،كما ان الحديث حول ابعاد شخصيات وكيانات محددة من مواقع تنفيذية محددة،امر لايسنده منطق الدولة الراشدة،فان كان استمرارهم يعضد فرضية الوفاء والالتزام بما سبق التوافق عليه من اتفاقيات للسلام،فان ترسيخ فكرة ان الوزارة ملك لوزيرها جهالة وجب التوعية منها،فالوزارة تضع خطتها وتجاز عبر مجلس الوزراء وتعرض قبلا للأجهزة الاستشارية والتشريعية لإجازتها فما الوزير غير منفذ للخطط الحكومية ،ان التأمل في تلك الفترة التى سبقت تشكيل الحومة وإعادة جبريل لوزارة المالية،كان ينظر لها غالب صف الكرامة الوطنى انها محاولة لأبعاد من قادة عملية انقاذ الحكومة من الضياع بنقلها لمدينة بورتسودان بينما كان وقتها قادة الجيش يواجهون مؤامرة استهدافهم بثات ويقين كان ينظر لمحاولة ابعاده من وزارة المالية في اتجاهين،الاول هو إنتصار لجماعات الفساد والتى سبق وان اطاحت بمدير ديوان الضرائب ،اما الاتجاه الثانى وهو الذى بدده اعادة تعيينه،فان الراي العام كان لا يجد سببا غير إيكال الامر لضغوط خارجية،وقتها ولو حدث ذلك فما معنى التضحيات التى قدمها السودانيين والأثمان الفادحة التي تم دفعها لمهر للسيادة الوطنية’ان اعادة تعيين الدكتور جبريل وزيرا للمالية تجاوزت مسألة الالتزام باتفاق جوبا وكذلك تجاوز المقولات القاصرة التى تنسب الامر للمكافأة على الموقف من الحرب فالحقيقة ان اعادة تعيينه تجاوز كل ذلك الى اعلان القيادة بشكل واضح ثباتها على الاجندة الوطنية ذاتها التى حفظت كيان الوطن وكرامته واستقلال قراره،ولكن لماذا اعادة تعيين جبريل تستحق كل هذا الجدل والاهتمام،ان الرجل ومنذ تعيينه عبر اتفاق سلام جوبا حتى في الفترة السابقة لقرارات التصحيح فقد اثبت انه رجل دولة من خلال تصرفاته وتصريحاته وخطته وأهدافه،فأول القرارات التى بإ تخذها وأشعلت عليه من خلالها حرب جماعات المصالح, هو الغاؤه لتعدد اسعار الدولار التى تنوعت مابين دولار الدواء والقمح والجمارك فأصبح للدولار سعرا وحدا يحدده السوق عبر الية العرض والطلب،وتكاد تكون هذه الخطوة هى لوحدها التى مثلت كلمة السر في صمود الاقتصاد بعد اندلاع الحرب ومكن الدولة من الوفاء بالمطلوبات للأجهزة المعنية بصيانة الامن القومى للبلاد،لم يكن قرار اتخاذ موقف الحياد الذى اتخذته الحركات عند اندلاع الصراع هو قرارا لاستكشاف قوة احد الاطراف،بل كان قرارا حكيما هو الذى اتاح لها تجميع مكوناتها وهو لايزال يمثل السر الاعظم في صمود مدينة الفاشر حيث تم استغلال تلك الفترة في ايصال المواد الغذائية والطبية وغيرها من المهمات الضرورية،كما ان ادواره قبل الحرب تجاوزت الدور الوزاري المحدود الى دور الوسيط الدائم بين قائد الجيش ونائبه الامر الذى ساهم في تأخير لحظة الصدام لعدة اشهر،اما اهم القرارات التى اتخذها والتى يجب ان تخلد في كتاب الكرامة الوطنى هو اتخاذه لقرر نقل عاصمة البلاد لشرق السودان؟،لم يتخذها مقرا ليخلد فيه للأمن والسلامة،وإنما وقبل ان يكتمل مقرها الذى اصبح بعض القادة يستنكرون على قادة المجتمع مزاحمتهم فيه،لم ينظره الدكتور ليكتما،وانطلق في جولات ولائيه محسوبة بدقة ،حيث طاف على كافة الولايات الانتاجية لانه يدرك ان الغذاء سوف يتم استخدامه لاحقا كسلاح لإخضاع القرار الوطنى للمنظمات الاجنبية،فكانت زيارته للقضارف وكسلا والنيل الازرق واستهدفت جميعها المواقع الانتاجية وقيادة الاجهزة الامنية للتنبيه لأمرين مضاعفة الانتاج وحماية هذه الولايات من تمدد فيروس الفوضى،وهو الامر الذى ساهم في استقرار أسواق الغذاء ووفرتها فقد وصل انتج السودان من الحبوب في العام2023 مايقارب الستة مليون طن،والعام الذى تلاه تجاوز السعبة مليون طن،وهو الامر الذى دفع برنامج الغذاء العالمى لتقديم طلب للوزارة لشراء ذرة لصالح جنوب السودان، فوفقا لمعلومات التي قدمتها توفر نظرة شاملة على إنتاج السودان من الحبوب في عامي 2023 و2024، بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية لدكتور جبريل إبراهيم، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي ،فبالرغم من انشغاله بالعمل العسكري لم يبارح اهتمامه المركزى بقضية الانتاج وإدارة الاموال والاقتصاد ولعل من حسن حظه ان الاقتصاد يدار بالأرقام التى لايمكن مغالطتها،فوفق تقارير منظمة الاغذية العالمية الفاو، وبالرغم الحرب والدمار وتقطيع أوصال العملية الانتاجية من حيث إعاقة حركتها على ربوع الوطن، ففي العام(2023) بلغ إنتاج الحبوب حوالي 4.1 مليون طن،حيث انخفض الإنتاج بنسبة 46% مقارنة بالعام السابق له، و40% مقارنة بمتوسط السنوات الخمس الماضية. ،ويُعزى ذلك التراجع إلى الحرب الدائرة في البلاد والذي أثرت بشكل كبير على إنتاج الحبوب،ففي العام (2024 ) ،قدر تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن إنتاج الحبوب الغذائية سيبلغ حوالي 6.7 مليون طن. ، بزيادة قدرها 62% عن إنتاج عام(2023 ) ، ولكن لا يزال أقل بنسبة 7% عن متوسط إنتاج الأعوام الخمسة الماضية،ونجد من خلال الوقوف على تفاصيل الإنتاج حسب نوع الحبوب لعام 2024(2024 ) الذرة: 5.4 مليون طن في موسم (2024 /2025)، بزيادة 77% عن الموسم الماضي و30% عن متوسط الأعوام الخمسة الماضية، الدخن: 792,943 طن في موسم (2024/2025) ، بزيادة 16% عن الموسم الماضي ولكن بانخفاض 45% عن متوسط الأعوام الخمسة الماضية،القمح: 490,320 طن في موسم (2024/2025) ، بزيادة 30% عن الموسم الماضي ولكن بانخفاض 22% عن متوسط الأعوام الخمسة الماضية،اما السياسة المالية والاقتصادية فقد تبنى الدكتور جبريل إبراهيم ، الإصلاحات المالية،وعمل على تحسين إدارة الموارد وتعزيز الشفافية في الصرف العام.،كما عمل على تركيز ضبط المال العام ومنع التجاوزات التي تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني ،وفي مجال تحفيز الاستثمارو سعى إلى خلق بيئة استثمارية جاذبة من خلال تسهيل الإجراءات للمستثمرين،من خلال تحفيز القطاعات الإنتاجية ، خاصة الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.كما عزز من اهمية ،كما عزز من اهمية
دعم الفئات الضعيفة في سبيل إيجاد توازن بين الإصلاحات الاقتصادية وحماية الفئات الضعيفة ،عبر برامج الحماية الاجتماعية التي تهدف إلى دعم الأسر ذات الدخل المحدود وتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم،كما انه اعتمد مبدأ الشفافية و المصارحة، مع المواطنين حول الأوضاع الاقتصادية والسياسات المالية بهدف تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين،فمن اكبر الانجازات التى تحسب لوزارة المالية تحت قيادة الدكتور جبريل إبراهيم،توفيرها السلع الأساسية حيث تمكنت الوزارة من توفير السلع الأساسية من محروقات وقمح وسكر وغيرها ،عبر تقديمها لتسهيلات للاستيراد من الدول المجاورة،كما يعد نحاجها في تمويل المرتبات أمر لافت،فقد أجتهد جبريل إبراهيم في تمويل المرتبات للأجهزة المدنية والنظاميه، ومنح الموظفين العاملين وغير العاملين مرتباتهم كاملة،كما ان إصداره للائحة التحصيل والسداد الإلكتروني لسنة (2025 )م، بهدف تحسين تحصيل الإيرادات العامة ومنع التسرب الايرادى ،فهل من كتاب يضاهى هذا الكتاب وضوحا وجلاءا وإبانة باستصحاب التحديات الكبيرة التى تواجهها البلاد،ان إعادة تعيينه وزيرا للمالية تعنى الاستمرار في أتجاه الانتاج وحسن إدارة الاقتصاد خصوصا بعد القرار الذى تأخر كثيرا، وهو أول قرار لرئيس الوزراء بعد تعيينه، والذى نصه على ضرورة إشراف وزارة المالية على كل شركات القطاع العام وبمثلما شكل الحديث حول عدم تعيينه في موقعه قلقا على الاجندة الوطنية ،بل على السيادة الوطنية من الركون للضغوط الخارجية ،وإنفاذ الاجندة المليشياتية عبر الملتصقون بكابينة القيادة،والذين يجب الحذر منهم،فان إعادة الدكتور الى عرينه تعد اكبر إشارة امان واكبر بشارة ، على ثبات القيادة الحالية على الاجندة الوطنية.