أيها التواقون إلى الخلافة: هاتوا مجتمعا صالحا وخذوا خلافةً راشدة

بقلم: ابراهيم عبدالرحمن ابوسفيان.
▪️الخلافة الراشدة لا تأتي بالتمني والآمال العريضة.
كما ان القصة ليست في إسم الحاكم او إسم نظام الحكم.
▪️بمعنى أنه لا يمكن للحديث عن الخلافة وذكر محاسنها والتغني بها أن يأتي بالخلافة ابدا، فمنذ ظهور الإسلام قبل أكثر من ١٤٠٠ عام وحتى اليوم ظل العلماء والدعاة والمصلحون يتحدثون عن محاسن الإسلام والحكم بشرع الله، وظل المفتونون بشكل الخلافة وإسمها يتحدثون عنها من بعد موت عمر بن عبدالعزيز، وحتى بعد مرور اكثر من ١٤٠٠ عام على بداية هذا الحديث عن محاسن شرع الله وعن الخلافة ولهذا اليوم الأربعاء ٥ يناير ٢٠٢٢م لم نجد خلافة واحدة راشدة أو دولة واحدة في العالم تطبق الشريعة الإسلامية، باستثناء تلك الحقبة الراشدة التي لو بحثنا عن علة رشدها وجدناها تكمن في الجيل الصالح الذي رباه النبي عليه الصلاة والسلام، بل على العكس نجد كل الدول الاسلامية اليوم تطبق القوانين الوضعية، ونجد عدد المسلمين الذين يبغضون دين الله، والذين يعتقدون في العالمانية يزدادون، ويزداد مثلهم من يجهل أن دين الإسلام، خلافا لليهودية والنصرانية، فضلا عن الأديان البشرية الوضعية، هو دين ودولة أو عقيدةٌ وشريعة. وإذا ظهر بينهم من يفهمون دينهم على حقيقته التي أنزله الله عليها وسعوا إلى تنزيل إقامة دين الله على قواعدة العقدية والحكمية والسياسية والتشريعية، إستغربوا الحق المتروك ونطقوا بالباطل المطروق وقالوا في سذاجة الجاهلين وجهالة الساذجين: “وأيش دَخَّلَ الدين في السياسة”!!؟؟.
▪️فأمر الخلافة إذاً اكبر من التمني والآمال العريضة.
كما ان القصة ليست في إسم الحاكم او إسم نظام الحكم. فمن الممكن أن يجد أحد التواقين إلى نظام الخلافة نفسه في موقع عسكري قيادي يُمَكِّنَه من القيام بالإنقلاب وتطبيق نظام الخلافة فورا، ويستوزر (الخلافويين) ويُمَكّن لهم أو يُمَكِّنَهم في جميع مفاصل الدولة وسلاسلها الفقرية، ثم يطبقون خلافة باطشة ظالمة مستبدة مثل الخلافة العثمانية في احط مراحلها غير الراشدة، ومع ذلك يسمونها خلافة إسلامية، فهل هذه خلافة إسلامية فعلا؟ وهل هي راشدة؟
إذا الخلافة الراشدة لا تأتي بالأماني العذبة ولا بالأحلام الجميلة. فلو إتَّفَقَ أنها جاءت كذلك صدفةً او بإنقلابٍ عسكريٍ مثلاً، أو حتى لو جاءت إنتخابياً بقناعةً الناس التامة، ولكن بسبب غلبة الشر في المجتمع ودواعي الفتنة إفتتن الخليفة وافتتن المستخلفون وفسقوا، فتنتهم زينة الحياة الدنيا، فما قيمة إسم نظام الحكم إن كان (خلافة إسلامية) أو (ديمقراطية) او (شورية) او (ملكية)؟.
▪️قضية المسلمين ليست في إسم نظام الحكم، فالحكم الذي يديره فساق شفاتة، أو منافقون أو عالمانيون حملة جوازات غربية رضعوا أخلاقها وعقائدها، أو تراتوفيون أو منافقون أو فلوترز أو ديوثون دينياً، أو علماء وشيوخ ثوريون يتصيدون زلات الحاكم لا خطيئاته، فيهيجون عليه العامة، كما يفعل اليوم أئمة الإعتصام، مثل الشيخين مهران وآدم الشين، أو يحكمه مستبدون قتلة دمويون، وهذه هي فئات ومكونات الأمة الإسلامية اليوم من المشرق إلى المغرب، فهل يمكن أن يغيرهم ويصلحهم إسم النظام السياسي سواءا كان إسمه (نظام إمارة أو نظام ملكي أو نظام ديمقراطي أو رئاسة جمهورية أو إمارة إسلامية أو خلافة إسلامية)؟
إسم نظام الحكم لا يغير شئيا، ولا يجعل الحكم راشدا، بل الشعوب الراشدة والعلماء والفقهاء والنخب الراشدة هي التي تجعل من الحكم حكما راشدا مهما كان إسم هذا الحكم.
▪️ولذلك عندما ربى النبي عليه الصلاة والسلام جيلا راشدا (علماء وعوام وقادة)، أوجد أولئك الذين تربوا على يد النبي نظاما راشدا سُمِّي (خلافة راشدة)، ولو أن الخلفاء الراشدين الذين حكموا بعد النبي صلى الله عليه وسلم سَمُّوا حكمهم أي إسم آخر غير (الخلافة) ك(دولة أو جمهورية أو إمارةً أو سلطنة أو مملكة) وكانت راشدة فعلا لما خالف المسلمون أو إرتكبوا إثما، فالإسم (خلافة) ليس نصا أو إسما مقدسا.
والخلافة التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام لم تكن تعني المبنى، بل تعني المعنى، فقد يقيم المسلمون في (وقت ما) خلافة تضاهي خلافة الخلفاء الراشدين هيكلا وشكلا، يختاروها بالشورى ويسمونها (خلافة إسلامية)، ولكن لما كانت الغلبة والهيمنة – في ذلك (الوقت الما) الذي أقام فيه أولئك المسلمون الخلافة – كانت للعالمانيين والشفاتة والتراتوفيين والشيوخ الثوريين والزنادقة وحملة الجوازات الأجنبية والمثليين والدهماء، كان أهل الحل والعقد من جنسهم حتما وباختيارهم قطعا، فهل تكون هذه الخلافة خلافةً راشدة؟
▪️إذا الخلافة تقام أولا في الناس والمجتمع، فيقيم ذلك المجتمع وأولئك الناس الخلافويون (خلافةً راشدةً)، وليسموها بعد ذلك ما شاؤوا، فلن يكونوا آثمين أو مأزورين، بل مأجورين، لأن الخلافة لغةً تكون لكل من خلف سلفا، أي أتى بعده في الوقت وخلفه في الامر، سواءا خلفه بخير أو خلفه بسوء فهو في الحالين خليفة، (فأين قداسة الخلافة)؟
فلا يشترط أن يكون الخليفة على منهج المخلوف ليسمى خليفة، ولذلك قال تعالى:
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مريم – الآية 59۞
فهؤلاء الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات (خلفاء) لمن سبقوهم زمانا، ولكنهم (ليسوا خلفاء راشدين على منهاجهم) بل (خلفاء فاسدين) ولكنهم يظلوا خلفاء.
▪️ومثل ذلك قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} الأعراف – الآية 142.
فموسى عليه السلام أخلف أخيه هرون وقال له أخلفني في أهلي، فلو كانت الخلافة تحمل سحرا في ذات نفسها تضمن الرشد والصلاح التي يحلم بها ويتمناها (التواقون إليها) لما أضاف موسى إلى طلبه من أخيه إضافةً تبين نوع الخلافة التي يريدها منه قائلا: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}..
(الله اكبر).. إذا الخليفة الذي يخلف الأنبياء والصالحين يمكن أن يكون خليفةً راشدا ويمكن أن يكون خليفةً فاسدا.
وبذلك فإن الخلافة التي يتوق إلى قيامها، اليوم قبل الغد، التواقون إلى قيامها فحسب، دون النظر في الشروط التربوية (الفردية والأسرية والمجتمعية) التي تجعلها (خلافة صالحة)، قد تأتيهم إسما وشكلا، ولكنها تكون خلافةً فاسدة!!
▪️ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام قولا مشابها لقول موسى عليه السلام، قال في حديثه المعلوم: (خلافةً على منهاجِ النبوة)، فهنا ميزها عن الخلافة المجردة (المحايدة) التي لا تعرف أهي على منهاج النبوة أم على عكسها. لأن نوع الخلافة لا يعرف إلا بإضافتها إلى ما يميزها.
ولنفس السبب وصفها الناس بالخلافة (الراشدة) تمييزا لها عن (الخلافة الفاسدة).
▪️فالخلافة إذا لن تكون بالضرورة ضرباً واحداً، بل قد تكون راشدة أو فاسدة، فإذا كان هم الناس هيكل الخلافة فحسب، ظانين أنها تحمل سحرا يجمع الأمة ويجعلها أمةً معتصمةً بحبل الله راشدة، فستاتي الخلافة بيد (اهل حل وعقد فاسدين) من مجتمع شفاتة عالمانيين فاسدين، فتكون خلافةً فاسدة على شاكلتهم، يسيطر فيها فرعون فاسد بإسم (خليفة المسلمين) على سلطات ومقدرات مسلمي العالم كلهم، فيكون خليفةً فرعونيا عصيا على الإقتلاع يدمر كل شيء.
ذلك لأن الخلافة ليست سحرا أو أكسيرا نمسحه على القصدير فيقلبه ذهبا، بل يلزم لإيجاد الخلافة السحرية الراشدة وجود دعاة ربانيين علماء قدوات مصلحين يدعون الناس ويعلمونهم الدين الصحيح، ويفهمونهم أن الإسلام خلافا للنصرانية واليهودية الكهنوتيين (دين ودولة، أو عقيدة وشريعة) لا تكتمل إقامته إلا بذلك: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..}.
وإلا بأن تقام به الحكومات وتساس وتُحكم به الدول والمجتمعات:
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام : 162-163.
ويربونهم على صحيحه (فهما وعلما ومعرفة) وتطبيقا في سلوكهم اليومي) قدوةً حتي لا يكون تدين الشعوب تدينا شكلياً فصاميا (إذا خلا أحدهم بمحارم الله انتهكها).
ولا يكون تدين العلماء والدعاة والشيوخ تدينا تراتوفيا، يعظ فيه احدهم بخلاف ما يعمل، ويعمل بخلاف وعظه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف : 2-3]
▪️فالخلافة الراشدة لا يمكن أن تأتي أولا، وإن اتت أولا قبل بناء المجتمع الخلافوي الراشد فستكون خلافً فاسدةً فرعونية لا محالة، بل الخلافة الراشدة تأتي آخرا، بعد أن يُوجِد الداعون التواقون إليها مجتمعا راشداً (خلافوياً)، عندها يصبح أي نظام أقاموه لحكمهم (خلافة راشدة) ولو لم يسموها كذلك، ويصير أي حاكمٍ يحكمهم خليفةً راشداً، وإن لم يُسَمَّى خليفة، لأنهم يصيرون خلفاء النبي قولا وفعلا وصفةً، فتكون خلافتهم خلافةً راشده على منهاجه صلى الله عليه وسلم.
وكل من يقارن بين العهد المكي والمدني والقرآن وأغراض القرآن المكي، مع القرآن وأغراض القرآن المدني، وانتهاء كل ذلك بإقامة الدولة الإسلامية في المدينة، يعلم أن الخلافة الإسلامية تكون تحصيل حاصل، وليس تكلفا ولا افتراضاً.
والحمد لله رب العالمين.
الاربعاء ٥ينابر ٢٠٢٢م