السودان.. إلى أين؟
بقلم: هبة زمراوي
- من المؤسف أن تكتب عن انهيار دولة، ومن المؤلم جداً أن تكون هذه الدولة وطنك.
ظللت أتابع بحزن شديد ما آلت إليه الأوضاع مؤخرا في عدد من مناطق السودان، النيل الأزرق وكسلا وأحداث موكب السودان الوطن الواحد في الخرطوم، عملت حكومة الإنقاذ ومن بعدها حكومة المجلس العسكري على إعلاء صوت القبيلة والعنصرية والإدارة الأهلية، حتى أصبحت بعبعا في وجه المواطنين أو أي تغيير سياسي قادم.
منذ سقوط الإنقاذ وتولي المجلس العسكري زمام الأمور ظل رئيس المجلس الانقلابي ونائبه يجتمعون بقبيلة تلو الأخرى، ويعطون كل قبيلة امتيازات على حساب أخرى، حتى تكون قاعدة يرتكزون عليها، في بادئ الأمر ظن البعض أنهم يفعلون ذلك من أجل كسب ودهم في الانتخابات التي كان مزمع عقدها عقب الفترة الانتقالية.
وبانقلاب البرهان على حكومة الثورة تأكد أن ما يسعى إليه البرهان وحميدتي ليس الاستعداد للانتخابات، بل على العكس هي شرزمة وتقطيع السودان وإشعال الفتن بين أبنائه على أكبر قدر ممكن، مما يجعل المواطنين ينشغلون بجانب محاولتهم لمقاومة الوضع الاقتصادي المتردي، التناحر فيما بينهم بسبب الانتماء القبلي وكأن ما يحكمون اليوم مكافئون علي ما يفعلونه من ضياع للوطن والمواطن.
من غير المنطقي أن يخطب رئيس مجلس سيادة حتى وإن لم يكن شرعيا في أبناء قبيلته، ويحدثهم عن ضياع حقوقهم ويساعدهم على التسلح وتكوين قوة مسلحة ضد نظرائهم من أبناء الوطن فهذا أكبر دليل على ما يرونه بهذه البلاد، وعندما يحاول الثوار، ومن معهم من أحزاب سياسية، رغم ضعفها توعية المجتمع وتسيير مواكب من أجل تلاحم كافة المواطنين ضد التفرقة ونبذ العنصرية وتكاتف الشعب السوداني تقوم القوات الأمنية بتحريض ودفع أموال لمجموعات توفر لهم غطاء الحماية، حتى يعتدوا على مواكب سلمية، ويتم تصوير المشهد على أنه اشتباك ثوار فيما بينهم.
أما الحديث عن تكوين ميليشيات والاعتراف بها من قبل المجلس الانقلابي لها ما بعدها، ففي عهد الإنقاذ كان المؤتمر الوطني يسمح لأعضائه بعمل أحزاب صغيرة (أحزاب الفكة) ويعقد معها مفاوضات وحوارات وترضيات بالمناصب الوزارية، حتى يستحوذ على أكبر قدر من الكراسي محاولا إقناع العالم الخارجي بأنه لا يتبع نظام الحزب الواحد في الحكم.
وإسوة بهذا المنظار يسمح طلاب المؤتمر الوطني الذين هم على سدة الحكم اليوم بتكوين أكبر قدر ممكن من الميلشيات المسلحة وتوزيع الرتب العسكرية على كل من هب ودب، وغدا يديرون معركة ضد بعض يروح ضحيتها المواطن؛ ومن ثم يعقدون مفاوضات سلام جديدة تنتهي بتوزيع جديد للمناصب ومحاولة أخرى لإقناع المجتمع الدولي بإشراك أصحاب القضية في الحكم دون التطرق للحل الجذري لقضايا الهامش أو تجفيف منابع هذه المليشيات المسلحة الكثيرة التي أرهقت الوطن والمواطن.
للأسف نحن في مرحلة فهم المواطن البسيط أصبح واجب التغيير، حتى يعرف ما عليه من واجبات، وما له من حقوق، حتى يميز في صف من يقف، ومن يختار وتعلي قيمة الوطن فوق القبيلة، وأن الانتماء يكون للوطن أولاً وأخيراً، ومسؤولية المستنيرين كبيرة في نشر الوعي حتى تتكاتف الجهود ويصبح الشعب يد واحد في مجابهة الأعداء داخلياً وخارجياً.
كما أن الأحزاب السياسية ان تتحمل المسؤولية، وتعمل بجد أكبر للوصول إلى انتخابات تفضي إلى حكومة ديمقراطية يمكنها أن تصيغ دستوراً يحتكم له كافة الشعب السوداني دون مخاصصة أحد، فمن غير ديمقراطية حقيقية لن يكون هناك تغيير جذري، وأن سياسة التفشي لن تفيد الوطن وعلي الثوار والأحزاب أن يتوقفوا عن تخوين بعضهم والعمل معاً للعبور بالوطن إلى الشط وإنقاذ ما تبقى منه.