ما بين الصفوف

بقلم : حسام الدين كرنديس

* عرف المواطن السوداني بعدد من الصفات الجميلة المميزة من بينها الكرم الشهامة الجسارة الامانة العفة التواضع دائما ما يكون السوداني معطاء و جواد بممتلكاته كما قال تعالى في كتابه الكريم : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) صدق الله العظيم ، لا يرضى السوداني الذل و الهوان عفيف لا ينظر لأشياء الغير و غنوع و غني بنفسه راضي بقسمته شهم يقف لينصر الحق و يحرس العرض يفدي عرضه بنفسه امين يؤمن لمال الغير و المال العام دائما ما يشغل وظائف إقتصادية و مالية في الدول الاخرى يجد القبول وسط الاخرين و يندمج في المجتمعات بكل بساطة .

 مع الازمات المتكررة في السودان بالاخص الازمة الإقتصادية و شح الدقيق و ندرة الخبز و الغاز و الوقود يصطف المواطنون لساعات طوال و مرات للمبيت في المخابز و طلمبات الوقود و اماكن بيع الغاز لإغتناء السلع

ما بين هذه الصفوف قصص و حكاوي منها المؤلمة و المؤثرة و ايضا الطريفة في صفوف الخبز دائما تختلف اعمار المصطفين غالبا ما يكون صفين الاول للرجال و الاخر للنساء مرات يكون اغلب الصف شباب لكن مع وجود كبار السن و الاطفال اللذين يضيفون لهذه الصفوف كثير من المرح خصوصا عندما يقف اخوة اعمارهم متقاربة و يحكوا كل ما يدور في بيوتهم بكل براءة دون اكتراث و ينقلوا توجيهات اهاليهم كذلك كبار السن الذين لا يخفون ما يدور في مجتمعهم الخاص و يقص احد كبار السن من الرجال عن فشل ابنه المتكرر و خموله عكس النساء اللائي غالبا ما يحكين قصص نجاح ابنائهم و يعددن مهنهم المشرفة ، لا تخلوا هذه الصفوف من المناكفات و الجدل الرياضي و السياسي  يفتتح احد المصطفين موضوع تسجل لاعب لاحد فرق القمة ليجد الرد السلبي من اخر ينتقد طريقة الإنتقال و يشكك في قدرات اللاعب مما يثير حفيظة مشجعي الاول داخل الصف يدور بعدها شجار و ملاثنات ، تدور ايضا داخل الصف بعض الإنتقادات السياسية و التلميحات بفشل المسوؤلين يقر بعض المصطفين المؤيدين للحكومة بفشل قطاع معين و يتوارى اخرين اما من يتكشروا ضاحكين بإبتسامة خبث فهم انصار النظام المباد الذين لا يقرون بذلك خوفا من غضب اغلبية المصطفين  .

صف البنزين الاطول بين الصفوف الاخرى ( الغاز و الخبز ) من حيث عدد المصطفين و ساعات إنتظار الوقود ، في اوقات عدة يضطروا للمبيت مما يؤكد إندماجهم تختلف سرعة الاندماج و تؤثر فيها عدة عوامل درجة الحرارة تهون و تسرع الاتصال بين المصطفين الذين غالبا يكونوا في حوجة لتفريغ و تخفيف هموم بعضهم صف النهار يختلف عن صف الليل لان صف النهار عادة ما تنهال الشكاوى المتكررة على البعض  و يحكي كل واحد همومه عكس صف الليل الذي لا يخلوا من الطرائف و الحكاوي و قصص اخر تعبئة للوقود ( اخر تفويله ) في هذا الصف دائما تتكون مجموعات و شلليات ما بين خمسة الى ثمانية اشخاص تتوزع مهامهم تلقائيا حسب شخصية كل منهم اكثرهم سرعة و حركة يكون للتجوال بين الشلة و محطة الوقود و نقل اخبار الصف و الوقود ( تحديد مكان التانكر الناقل للوقود و بداية عمل المحطة و توقفها و اسبابه ) بينما ينشغل الاخرون بقضايا اخري منها حركة سيارة الدليل الاول و اخر يهتم بالامن الغذائي و الامداد المائي للمجموعة و جمع المال بين الشلة لتلك الاحتياجات بينما يتوسطهم اكبرهم سنا للقصص و الحكم و تجارب الحياة  يتبادل اعضاء الصفوف  المفارش و المساند و الاغطية و بعض المأكولات و الوجبات المنزلية  ، يتعاون اعضاء الشلة في مهام تتعدى هذا الصف بينما تذهب الشلة لابعد من ذلك و يتبادلوا ارقام الهواتف للتلاقى و التعاون و معرفة الصفوف الاخرى ، بعد فترة من الزمن و التجوال بين محطات الوقود تجد بهاتفك اسماء و ارقام جديدة مقرونة بأسماء محطات الوقود ( محمد الغالي ، محمد طلمبة الغالي ، وائل نبته خالد بترولا و معتز الزوادة ) .

* هذه الصفوف لا تخلوا من السلبيات و من ضعفاء النفوس مستقلي السلطة و منتحلي الشخصية و سارقي الصف الذين لا يحترموا حقوق الاخرين و لا تخلوا ايضا من الانطوائيين الذين لا يحبون الاندماج مع الاخرين و يفضلون   مؤانسة هواتفهم النقالة و لا يلجؤن لاحد إلا بعد انتهاء بطارية الهاتف .