قصة طائرات مصنوعة في السودان تخلّص منها مهندسوها بسبب الحرب

موقع اوبن سودان- فريق التحرير
كان المهندس السوداني  محمد نورين قد بدأ مشروعا طموحا لتصميم وبرمجة وتصنيع طائرة سودانية من الصفر، لاستخدامها “كعربة إسعاف طائرة” تعمل في نقل الدم لمن يحتاجه من المرضى في زمن قليل.
مشروع طائرة نقل الدم كما يسميه نورين كان قد مضت عليه شهور بالفعل، وعمل معه شبان سودانيون في تخصصات مختلفة كان هدفهم النهائي أن تحلق الطائرة في الجو، كأول مشروع من نوعه في السودان.
بالفعل، حلقت النماذج التجريبية الأولى للطائرة في الجو بنجاح، وبدأ العاملون في المشروع في تعديلها وتحسينها، قبل أن تندلع حرب منتصف أبريل في الخرطوم، المدينة التي كان يجري تصنيع الطائرة فيها.
وكان موقع اوبن سودان قد نشر في أكتوبر من العام الماضي موضوعا عن نجاح التحليق التجريبي للطائرة في منطقة الكدرو بالخرطوم بحري  “تجدون رابط الموضوع  أسفل هذا المقال”
محررو موقع  اوبن سودان اطلعوا على مقال للمهندس محمد نورين، يكمل فيه قصة ما حدث لهذا المشروع الطموح، بعد أن وصلت الحرب إلى حيث كان يجري العمل.

يقول المهندس محمد نورين: 

“تخطت منصرفاتي علي هذا المشروع حاجز المائة ألف دولار، أحب أن أسميه، طائرة نقل الدم السودانية.

في منزل جميل من طابقين، بنيته لوالدتي في مدينة الكدرو أحد المدن اللتي ترقد علي ضفاف نهر النيل في السودان الحبيب، تقاسمت مع والدتي الطابق الأرضي وأسست فيه معمل حديث لتصنيع درونات لحل واحدة من المشاكل المستعصية في السودان، نقل الأمصال والدم وغيرها من المواد الطبية الخفيفة المنقذة للحياة لمسافة تصل إلى خمسين كيلو متر.

طابعات ثلاثية وانواع مختلفة من البلاستيك الخام، أنواع مختلفة من ألياف الكربون والفايبر قلاس، كل أجهزة القياس الإلكترونية اللتي قد نحتاجها، متحكمات طيران ومتحكمات أخرى و مجموعة من اللابتوبات عالية السرعة، توصيلة إنترنت فايبر عالية السرعة، ومصادر كهرباء إحتياطية.

عينت معي مجموعة من المهندسين السودانيين بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة المعتادة، لم أسأل عن درجات أو جامعات، جمعنا الشغف والمقدرة على التفكير خارج الصندوق و الصبر على العلم والجرأة على التنفيذ في غياهب الشك.

لم يكن هناك دوام ولا مكاتب، يمكنك أن تعمل من أي مكان في أي وقت، حافظنا علي ثلاث إجتماعات قصيرة جدا في الإسبوع بالإضافة لإجتماع واحد طويل (ساعتين) في بداية الإسبوع لتوزيع المهام الجديدة والنقاشات الضرورية.

كنا ننفذ قبل أن تكتمل الخطة، عشرات الطائرات الصغيرة تحطمت بحب لنتعلم بسرعة كبيرة جدا.

كنا نطبع طائراتنا طباعة ثلاثية ثم نقويها بطبقة خفيفة من ألياف الكربون، قبل أن نضيف لها متحكم الطيران ومجموعة كبيرة من الحساسات بما في ذلك رادار المسافة وحساس سرعة الرياح بالإضافة لحساس وضع الطائرة ذو ال ٩ أبعاد والجي بي إس.

بدئنا في صناعة النموذج النهائي بإستخدام ألياف الكربون وطريقة جديدة كليا لطباعة قوالب الطائرة طباعة ثلاثية قبل أن تقاطع مجهوداتنا وتقدمنا أصوات البنادق وحرب السودان بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع.

قبل ستة شهور من الآن، إحتلت قوات الدعم السريع مدينة الكدرو وملئو طرقاتها وإحتلو بيوتها ودقت مجموعة من ميليشيا الدعم السريع على أبواب معملنا / منزلنا وأخبرو والدي أنهم يريدون تفتيش المنزل لشكوكهم في وجود قناص في سطح البيت نسبة لعلو المنزل وإطلالته، حيلة إعتادوها لتبرير إحتلال البيوت وسرقة ممتلكاتها، بعد نقاش طويل وتفتيش فناء البيت أقنعهم والدي أن البيت مليء بالأسر وأنهم جميعا على وشك المغادرة، ساعات قليلة بعدها قام أحد المهندسين بالتخلص من جميع الطائرات والأجهزة الحساسة بطريقة خلاقة جدا وغادرو جميعا المنزل/المعمل ونزحت أسرتي مابين شمال السودان ومصر وإنتهى فصل مهم من فصول طائرة نقل الدم السودانية.

ما زلت أجتمع مع مهندسي المشروع النازحين، تفرقنا ما بين المملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة.

نجتمع ونناقش ونذاكر، توقفت إختباراتنا وتبددت أدواتنا ومازالت همتنا عالية. تحدينا الأكبر في هذه المرحلة هو مكان مناسب للإختبارات الميدانية طويلة المدى، تحد سنجد له حل قريبا كما عودنا أنفسنا، نحن لا نتنازل، نتعثر، نتفكر، نتعلم، ثم ننهض أكثر قوة، سنستمر في الطيران حتى نصل، مشروع طائرة نقل الدم السودانية، حانوصل كيلو ونص من المواد الطبية المنقذة للحياة لمسافة خمسين كيلومتر أسرع من أي إسعاف.”

انتهى مقال نورين، لكن مشروع الطائرة السودانية لا يزال مواصلا بذات التصميم القديم.


صنعها شباب: أول رحلة لطائرة “درون” سودانية في الكدرو | فيديو